مصانع العظماء، د. إبراهيم أبو سالم
أكتوبر 1, 2024
للمشاركة :

الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، ومنها أن جعلنا من أهل بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، هذه البلاد المقدسة التي أكرمها الله تعالى بالعديد من الأنبياء المصطفين الأخيار، ثمّ شرّفها بإسراء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إليها، وإمامته جميع أنبياء الله تعالى على ترابها، وفوقها فرضت الصلاة.

  هذه الأرض المباركة أرض الرّباط، وحسبنا أن نعلم أن يوم المرابط عند الله تعالى يعدل ألف يوم فيما سواه من المنازل، بمعنى أنّ أعمال العبد من البرّ والصالحات تضاعف قرابة ثلاث سنوات على عمل أيّ مسلم يعيش في سائر الأقطار.

هذه أرض الصراع وأرض التحدّي، وأرض العزة، وأرض البطولات، ليس فيما مضى من تاريخ وحسب، إنما التاريخ يعيد نفسه، فلربما أبناء فلسطين اليوم يعيدون الأمجاد، ويتفوّقون على سيرة أجدادهم، بل وينافسون سير الصحابة والتابعين، ولا فخر، إنه الواقع وليس التمنّي.

وفي الوقت الذي يقدّم فيه أبناء وبنات فلسطين كلّ ما يملكون؛ بداية من الأرواح، ومروراً بالأزواج والإخوة والأخوات والأموال والمنازل.. كل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى، وحبّاً لفلسطين وذوداً عن المقدّسات، يجد من يمسك بالقلم نفسه خجولا! فكيف نقارن الكلمات بتلكم البطولات؟

إنّ من أعظم الجبهات في الصراع الجامعات، محاضن القادة، فمنها الروّاد من الأبناء والبنات، فهؤلاء هم القيادات والعظماء، بناة المستقبل، جيل الغد، وروّاد العزة والمجد، معاقد الآمال، وبهم يشتدّ العضد.

وحين يبذل الأعداء بكل مشاربهم وأديانهم والمنافقون من حولهم كلَّ جهد ماديّ ومعنويّ لتدمير هذا الشعب ومحاولة تهجيره، وكسر شوكته، ونحت همّته وإرادته، يبرز دور الجامعات التي تضمّ بين جنباتها عشرات الآلاف من الكواكب.

ونحن هنا بين نموذجين: الأول من يدرك أبعاد المعركة وحقيقة الصراع، ويعلم تماماً مكانة وسموّ قضيته، وعظمة مقدّساته.

والثاني: ليس نُصب عينيه هدف إلا أن يحمل شهادة يقتات بها.

 وشتان شتان بين النموذجين! فعلى النموذج الأول ينعقد الأمل، وبه ترتفع الراية، ولا يتأتى ذلك إلا بالإعداد التربويّ.

فإذا كانت مساجد غزة خرّجت الآلاف من الحفّاظ، بيّض الله وجوههم، ورفع ذكرهم، وأيّدهم بنصر من عنده، وأنزل معهم ملائكة تثبّتهم، فهذه رسالة لكلّ أبنائنا في المدارس والجامعات، أنّ السبيل الأقوم هو أن تكونوا مع القرآن الكريم حفظاً ودراسة وتطبيقا … جلسات القرآن الكريم، مدارسته، الالتزام بأوامره، واجتناب نواهيه ” الله وليّ الذين آمنوا “، ” ولينصرنّ الله من ينصره ” ” كذلك حقاً علينا نُنج المؤمنين “.

فإذا عمل طلبتنا على ذلك فقد ارتقوا إلى رضوان الله تعالى، ونالوا شرف الرباط، وذلك لا ينقص من قريب ولا بعيد من مستواهم العلميّ وأدائهم وتفوّقهم، في جميع تخصّصاتهم، بل يدعمه ويُعزّزه، ويصبغ شخصيتهم بصبغة قويمة، مستقرة على الحقّ، دونما غبش ولا ضباب.

 وهم بذا يكونون قد نالوا رفعة الدنيا، وعلياء الآخرة، وذلك هو الفوز العظيم.

وأستذكر هنا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ” تجدون النّاس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة “.

واقعنا اليوم أيها الأبناء والشباب أحوج ما يكون إلى الرواحل، من يحملون الهمّ، من يستعدّون للعمل، من يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثمّ بفلسطين والأقصى، ويستشعرون قضايا المكلومين والمنكوبين والأسرى والجرحى.. هؤلاء هم الرواحل الذين يقودون ويفكّرون ويجتمعون ويدرسون ويبنون ويقدّمون وينفقون من أوقاتهم أقصى ما يستطيعون.

ما من شك أن الهجمة العالمية على فلسطين كلّها تستدعي استنفارا من الشباب فتياناً وفتيات، يتقدّمهم طلبة الجامعات ليهبّوا للنجدة، كلّ في موقعه، لا تستصغروا كلمة ولا رأياً، ولا فلساً، ولا تبخلوا على المسجد الأقصى بجهد، فهو يستحقّ منا جميعا الغالي والنفيس.

فهنيئاً لمن تقدّم وقدّم، وهنيئاً لمن سار على الدّرب، وسعى مع الرّكب، أولئك هم العظماء، أولئك هم الشامخون، السّابقون الفائزون بإذن الله فوزاً عظيما، أولئكم سلام عليهم في العالمين!

تصنيفات :