لقد خص الله جل جلاله أمة الإسلام العظيمة بشعائر تعبدية وفضلها على كثير من الأمم وحبها واصطفاها، ومن ضمن ما اختاره الله لهذه الأمة العظيمة الصلوات، ومن أعظم الصلوات صلاة الجمعة التي ذكرها الله جل جلاله في كتابه الكريم، وحث عليها ورغب فيها وذكرها في كتابه العظيم فقال: “يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.”
فذكر الله فضل هذه الصلاة ورغب فيها وحث النبي صل الله عليه وسلم على المحافظة عليها، ورغب فيها وذكر أجرها وثوابها، ورغب في الإتيان إليها مبكرا، وغلظ على من تساهل في أدائها وتغافل عن القيام بها؛ لذلك كانت شعيرة الجمعة من أهم الشعائر التي يجتمع عليها المسلمون، ويقومون بها لما لها من أهمية دعوية وإرشادية في المجتمع المسلم، فالنبي الأكرم – صل الله عليه وسلم – كان يهتم بصلاة الجمعة وخطبة الجمعة ويعطي للناس فيها الإرشادات والتوجيهات الدعوية التي تعينهم على الثبات على دينهم، وكان عليه الصلاة والسلام دائما يرغّب أصحابه ويحث أمته ويوجههم إلى الخير، وينهاهم عن الشر ويسوق لهم الكلام الذي ينفعهم، ويضرب لهم الأمثال التي توجههم إلى الخير في الدنيا والآخرة.
لذلك اعتنت الأمة الإسلامية من لدن محمد عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا بخطبة الجمعة وصلاة الجمعة لأهميتها التربوية، ولما لها من أثر في تغير الواقع وتحسين المجتمع وإرشاده للفضائل والصلاح، لذلك كان لخطبة الجمعة الهادفة آثار إيجابية على تغير الفرد والمجتمع من خلال التوعية الدينة التربوية للمجتمع الإسلامي، لذلك وجب على الدعاة ومن يعتلون منبر رسول الله – عليه السلام – أن يهتموا بمواضيع خطبة الجمعة وخاصة في أرضنا المباركة المقدسة فلسطين أرض المحشر والمنشر، وأرض الإسراء والمعراج، أرض الملاحم البطولات، أرض العلماء، فهي أرض ما تزال تخرج العلماء والدعاة وطلبة العلم وحفظة كتاب الله، الذين يكون لهم الحق والسبق والفضل باعتلاء المنابر وأداء خطبة الجمعة وصلاة الجمعة في الناس.
إن هذه الوظيفة العظيمة التي شرف الله بها كثيرا من الناس وكلف بها علماء فلسطين ودعاتها ومشايخها جعل ذلك حملا ثقيلا على كواهلهم؛ فهي قبل أن تكون تشريفا لصاحبها فهي تكليف له وامتحان من الله جل جلاله لهذا الخطيب فينبغي على الخطباء أن يتقوا الله جل جلاله فيما يقدمون للناس في خطبهم وأن يقولوا الخير دائما، فالله يسمع كلامهم، ويرى مكانهم، ويعلم سرهم ونجواهم، مقتدين برسول الله – عليه السلام-.
ما أحوجنا اليوم إلى الخطب التي تثبت الناس على عقيدتهم ودينهم وتتكلم عن واقعهم الأليم الذي يعيشونه من خلال طرح المواضيع وإيجاد الحلول وتوجيه الشخصية المسلم إلى معاني الإيمان ومعاملات الإسلام وأخلاق النبي العدنان صل الله عليه وسلم؛ فخطبة الجمعة ليست عبارة عن كلمات تردد وتقال بل هي منهج حياة يتكلم عن واقع الأمة الإسلامية ويعمل على تحسين أفرادها من خلال التربية القرآنية المحمدية، فينبغي على الخطيب الناجح أن يراعي في كلامه وخطبته ظروف المجتمع الذي يعيش فيه، وأن يتكلم عما يعيشه الناس من قهر وظلم وأن يبين للناس الصواب، لذا على الخطيب قبل أن يعتلي المنبر أن يتذكر مسؤوليته المتمثلة في الآتي:
- تبيان العقيدة السليمة الصحيحة للناس من خلال كتاب الله وسنة نبيه صل الله عليه وسلم، وتوجيه أنظار الناس لكتاب ربهم وخاصة في ظل الهجمة الشرسة على مقدساتنا، وأبناء شعبنا المرابط في الأرض المقدسة المباركة، فلا يخفى علينا جميعا ما يعانيه شعبنا الصامد المرابط في بيت المقدس من آلام وظلم وقهر وتضيق، لذلك يقع على عاتق الخطباء اليوم.
- توجيه الناس وإرشادهم وغرس الصبر والإيمان في قلوبهم من خلال خطب الجمعة ودروس الوعظ والإرشاد التي يقدمونها للمجتمع، وخاصة أننا اليوم بأمس الحاجة إلى الكلمات الصادقة التي توثر في القلوب وتغيير السلوك إلى الأفضل فهذا هو هدف خطبة الجمعة وما أسماه من هدف.
- أن يحسنوا اختيار الموضوع والعنوان الذي هو أهم أركان الخطبة، كونه يحوي الفكرة الرئيسة لهذه الخطبة، فاختيار الموضوع بعناية سيكون له الأثر الكبير في رفع معنويات الناس والتخفيف من وطأة القهر والظلم عليهم، وخاصة في ظل الظروف التي تتعرض لها بلادنا المقدسة المباركة، وذلك من خلال طرح المواضيع التي تعين الناس على الثبات في أرضها والتمسك بمقدساتها في ظل الأوضاع الصعبة التي تتعرض لها البلاد.
- رفع معنويات الناس وغرس الإيمان في قلوبهم، لذلك وجب على العلماء وطلبة العلم الذين يعتلون المنابر أن يعلموا أن مسؤوليتهم عظيمة أمام الله جل جلال وأنه يقع على عاتقهم حمل ثقيل في تثيبت المجتمع وتغير سلوكه إلى الأفضل، فهم الواجهة الأولى لنشر الوعي في المجتمع وهم السد المنيع أمام تغير الأفكار، وهم أمل الأمة في إيقاظها من غفلتها.
إن هذه الأمانة التي حملها ورثة الأنبياء وجب عليهم أن بعطوها حقها؛ لأنها الوسيلة الأفضل والأشرف لنشر الدعوة، وغرس عقيدة الإيمان الصحيح، وتثبيتهم في أرضهم، وتذكيرهم دوما أنهم مرابطون في أعظم أرض، وأشرف بقاع، ويكفيهم شرفا وعزا أنهم يقفون على منبر رسول الله – عليه السلام – ويتكلمون نيابة عنه.
نسأل الله العظيم أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
تصنيفات : قضايا و مقالات