انطلاقة من المقولة المعروفة فلسطينيا أن الثقافة مقاومة فإنها أصبحت ضرورة من ضرورات معركة الوعي التي يشتبك فيها المثّقف الفلسطيني مع الدعاية الصهيونية المضلّلة، ومع دخول الناس أفواجا إلى الفضاء الإلكتروني أصبح حتما على كلّ هذه الأفواج أن تدخل معركة الوعي، ولم تعد مقتصرة على الطبقة المثقفة، فانقسمت هذه الأفواج المسلّمة روحها إلى هذا الفضاء إلى أنواع:
- هناك المدرك الواعي المنتمي لهويته الثقافية والقادر على تمثيلها وتحقيق الانتماء الصادق لها والممارسة العملية التي تفضي إلى تعزيز المواقف المنسجمة مع قضيته الوطنية وقيمه الدينية، سواء كان ذلك تأثّراً أو تأثيراً، وهذا النوع على درجات في الوعي وسعة الفهم، والإرادة الفاعلة، والطاقة الإيجابية، وبالتالي القدرة على التأثير.
- هناك المدرك الواعي الذي حسم نفسه مع هويّة ثقافية مختلفة عن هوية شعبه وبلده وقومه، مثل الذي يتبنّى الفكر الغربي ويقف دوما موقف الناقض لأركان هويته الثقافية الأصلية، يقتات ثقافة الآخرين، ويروّج لها بكلّ ما أوتي من قوّة، ويعمل لها ليل نهار ويستغلّ مواقع التواصل أبشع استغلال.
- وهناك الهمج الرعاع، الإنسان العاطفي الذي يتبع كلّ ناعق أو يتبع ما يستمتع به ويشبع غرائزه وأهواءه فلا يهمّه المحتوى على قدر ما تهمّه المتعة والهوى، وهذا القطيع من الناس يشكّل منطقة رخوة ومرتعا للدعاية المضادة والتفاهة.
- وفي الدعاية السياسية هناك من يستفيد منهم الاحتلال أعظم الفائدة وهو الذي يروّج لمقولة الاحتلال ويتماهى معها من حيث يدري أو لا يدري، وهناك الحاقد الذي تتحكّم به مواقف مسبقة مذهبية أو حزبية أو سلطوية أو نفعية، شكلت أرضا خصبة لإذكاء روح الحقد والكراهية والتعصب الأعمى؛ فتجده يندفع بشكل جنوني لمهاجمة المشتبكين مع المحتل (والذين يشكّلون خطرا على مصالحه الخاصّة) بكلّ ضراوة.
- وهناك أصحاب فهم ديني انتقائي يحصر الدين في مجال صغير، يحمل فيه منظومة من الأفكار الدينية التي تؤهله ليكون دوما مع الخط المواجه لخط المقاومة بذرائع مختلفة من حين لآخر، فيحمل أفكار وآراء تضرب فكرة المقاومة ويشغل نفسه طيلة عمره بها، وهو يحسب نفسه أنه الممثل الوحيد للفهم الديني القويم وغيره ليس في الدين من شيء. وهذا تيار للأسف له مشايخه ومدارسه وتلامذته المنتشرون على مواقع التواصل بشكل كبير.
كيف نتعامل مع الفضاء الإلكتروني بعيدا عن كلّ سلبياته واستثمارا في إيجابيّاته؟
بما أنه من غير الواقعي ولا العملي النأي بالذات عن هذا الفضاء الذي أصبح جزءا هامّا من حياة الناس، وكذلك وسيلة إعلامية وتوعوية وتواصلية مثمرة وفعّالة إن وضعت لها البوصلة بشكل صحيح، لذلك كان لا بدّ من العمل التربوي الممنهج والأصيل لبناء الذات القادرة على أن تكون من الصنف الأول الذي تحدّثنا عنه، ولا بدّ من غزارة الإنتاج لملأ الفراغ وتوفير البديل في كلّ المجالات والمواقع، ولا بدّ من مراعاة عناصر النجاح والقبول قدر المستطاع دون الذهاب إلى التفاهة، بل بالإمكان توفير الممتع والنافع في الوقت نفسه، المنصّات الإلكترونية الناجحة تحتاج إلى كفاءات وتمويل مناسب لشقّ طريقها والوصول إلى أكبر قدر ممكن من الناس. ولا بدّ من تشجيع ذوي المحتوى المطلوب ودعمهم ليصلوا إلى مساحة أوسع من هذا الفضاء.
تصنيفات : قضايا و مقالات