الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد
أولا: سنن الفطرة:
من الأحكام التي شرعها الإسلام -وهي من سنن الفطرة- الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى للحديث الشريف: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة ) سنن أبي داود، وفي هذا إشارة إلى أول ما يقرع أذن المولود صوت الحق الله أكبر صوت العظمة الإلهية، ثم الإقامة وفيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهذا يناسب الفطرة؛ لأن الله سبحانه خلق الخلق وهم عبيد لله تعالى وأن العبودية مركوزة في أصل الفطرة.
ثانيا: أمره بالعبادات:
ينبغي ترويض الأولاد على العبادات والطاعات منذ الصغر وهذا ما جاء به الهدي النبوي الشريف: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) سنن أبي داود، ولا شك أن أمر الولد بالصلاة وهو ابن سبع هو بداية غرس الصلاة هي أعظم أركان الدين في نفسه وهذا السن سن السابعة هو سن التمييز الذي يميز به الصبي الأمر ويعلم النافع من الضار والحسن من القبيح، فإذا تعود على الصلاة والدخول إلى المساجد وسماع القرآن والخطب والدروس فإن الصلاة تكون في قلبه وعقله وجزءًا من حياته اليومية، وكذلك تعويده الصيام حسب استطاعته وتعريفه بأمور الحلال والحرام.
وهذا كله مسؤولية الآباء والأمهات فمن يلتفت إلى الصغير في هذا السن، ويهتم بصلاته وعبادته فهو من أهم أعمال التربية والتي تؤثر في شخصية هذا الولد، ومنها تنطلق كل أعمال البر والخير والمعروف فهذه العبادة تصبح جزءا من حياته اليومية تصقل شخصيته وتؤثر في سلوكه وجميع أعماله.
ثم تعريف الصبي بأحكام الحلال والحرام منذ صغره ونعومة أظفاره، فإنه يتربى على تقوى الله وطاعته ومن ينشأ هذه النشأة الطيبة في تحري الحلال واجتناب الحرام يعتاد عليها في جميع حركاته وسكناته، ولا شك أن هذا يؤدي إلى نقاء القلوب وسلامة النفوس.
ثالثا: الأخلاق:
الإسلام أعظم دين جاء بأعظم الأخلاق والرسول عليه الصلاة والسلام مدحه القرآن وأثنى عليه في محكم التنزيل: { وإنك لعلى خلق عظيم } (القلم:4)، ولا يوجد أعظم من كتاب الله فهو منهج الله تعالى للعالمين في بيان عظم الأخلاق، وقال عليه الصلاة والسلام: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) مسند الإمام أحمد، فالأخلاق موجودة عند الأمم السابقة لكن ما جاء به الإسلام والهدي النبوي هو كمال الأخلاق وعظمها، والإيمان والأخلاق صنوان لا يفترقان فصاحب الإيمان هو صاحب الأخلاق، والأمم ترقى وتسمو بأخلاقها، قال الشاعر شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وما انتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا كالباكستان والهند وأندونيسيا وماليزيا إلا بأخلاق التجار المسلمين، حيث لم يصلها الفتح الإسلامي.
ومسؤولية تربية الناشئة على الأخلاق مسؤولية عظيمة هي مسؤولية الوالدين والمدرسة والجامعة والمجتمع، لكن أهم مسؤولية تقع على الأب والأم في تعليم الأولاد الأخلاق الفاضلة من كلام حسن ومعاملة حسنة فالولد صورة عن أسرته فإذا كان على خلق في تصرفاته فإن أسرته تكون كذلك، وإن كان العكس من سوء الخلق فلا شك أن هذا واقع الأسرة، ومسؤولية الأم في التربية والتنشئة السليمة أكبر من الأب؛ لأنها تراقب كل تصرفات الولد في البيت قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
والأخلاق لا تعلم ولا تدرس في الكتب وإنما هي تنشئة منذ الصغر يتعلمها الأولاد قال الشاعر:
هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات
ونحن نرى في هذه الأيام في شعبنا الفلسطيني القابع تحت وطأة الاحتلال أنه يوجد تقصير في التربية وإن الأخلاق تتفلت كما تتفلت الإبل من عقالها، وعائلات كثيرة تعاني من سوء تصرفات أولادها ولا تستطيع إصلاحهم بعد كبرهم؛ لأنه تلقفهم المجتمع وقرناء السوء بسوء الأخلاق وكل ذلك ينعكس على هذه الأسر التي أهملت تربية أولادها فهي تعاقب بصنيع أعمالهم وأفعالهم.
وفي هذا قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن يعوده التدين أقربوه
فمسؤولية الأهل مسؤولية كبيرة أمام الله تعالى في حسن سلوك الناشئة قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } (التحريم:6)
رابعا: الرحمة بالأولاد:
أمر الإسلام بالرحمة بالأولاد الصغار والرأفة بهم وهي رحمة عظيمة جاءت في القرآن الكريم والهدي النبوي، وقد ورد في السيرة المشرفة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والحسن والحسين يلعبان على كتفه ) صححه الألباني، وكذلك ( كان النبي عليه الصلاة والسلام يقصر الصلاة حين يسمع بكاء صبي صغير ) سنن ابن ماجه، ومما ورد أيضا ( أن أنس بن مالك قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط) صحيح مسلم، وهذه الرحمة هي رحمة الإسلام فالإسلام هو دين الرحمة والرسول هو رسول الرحمة{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء:107) وحتى رحمة الإسلام في السلم والحرب في حماية الأطفال والصبيان والكبار في السلم والحرب، فقد جاء في الحديث:( لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا) سنن أبي داود، فأين هذه الأخلاق من تصرفات الأعداء وملة الكفر التي لا ترحم صغيرا ولا كبيرا ولا تبقي شجرا ولا حجرا فتقتل الأطفال والشيوخ والنساء، وكل ذلك على مرأى ومسمع من الذين ينادون بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لكن هذه عقيدة الكفر الفاسدة وسقوط أخلاقه وقيمه وسقوط ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني الذي لا يرحم صغيرا ولا كبيرا، وأخيرا فإننا نسأل الله أن يلطف بشعبنا وأمتنا في هذه الأرض المقدسة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تصنيفات : قضايا و مقالات