من صور الرباط المعاصر
نوفمبر 2, 2024
للمشاركة :

  • نبيل براهمة

مدرس تربية إسلامية/ ماجستير فقه وتشريع

لقد أنعم الله تعالى علينا بنعمة الإيجاد، ثم نعمة الإمداد، ثم نعمة الهداية والرشاد، ثم اختص أهل فلسطين بنعمة الرباط في بيت المقدس وأكنافه ودليل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان) ( رواه الطبراني وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات) ومعلوم أن عسقلان مدينة فلسطينية ولعل المراد بعسقلان كل فلسطين فلربما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجزء وأراد الكل بدليل حديث الطائفة المنصورة الذي جاء فيه: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) قلنا: يا رسول الله وأين هم ؟ قال: بأكناف بيت المقدس) (أخرجه الطبراني في الكبير رقم 754 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 270، 1957).

والرباط هو الملازمة والإقامة مع الإعداد والاستعداد لمواجهة العدو والدفاع عن الدين والأوطان. وهو نوع من أنواع الجهاد، كما أنه من أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد موت صاحبها، لأن أعمال البر كلها قد لا يتمكن المسلم من أدائها إلا بالسلامة من العدو، فيجري عليه أجر كل أعمال البر التي تقام بسبب رباطه، بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطا في سبيل الله..) (رواه الطبراني).

ولا بد للرباط من شروط حتى يتحقق معناه، منها:

  1. عقد النية الصادقة على الرباط لأجل الله تعالى.
  2.  الاستقامة على طاعة الله تعالى بفعل ما أمر واجتناب ما نهى.
  3.  الصبر والمصابرة فما ذكر الرباط إلا وذكر معه الصبر، قال الله تعالى 🙁 يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) (آل عمران الآية 200) ولا شك أن ذلك يتمثل بالصبر على تضيقات الاحتلال والإغلاقات والاقتحامات ومساندة ذوي الجهاد والمقاومة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
  4.  عدم التسخط والتذمر والشكوى مما حل بنا وببلادنا بفعل عدونا وإنما يُصبّر نفسه ويحتسب لله تعالى، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأٌجري عليه رزقه وأمن الفتّان.) (رواه مسلم)

وإذا كان انتظار الصلاة بعد الصلاة رباطا كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف إذا كان انتظار الصلاة في أرض الحشد والرباط أرض فلسطين المباركة؟ كيف بالذي يواجه عدوا في أرضه لا يدري متى يقتحم عليه بلده أو بيته أو مكان عمله؟! كيف بالذي يخرج من داره طلباً للرزق ولا يدري أيعود إلى بيته أم إلى قبره؟ كيف بالذي يرسل أولاده إلى الجامعة أو المدرسة ولا يأمن عليهم من غدر الاحتلال؟

وصور الرباط عديدة فنحن نعيش في قلب أرض يحتلها العدو وهو محيط بنا من كل جانب يتربص بنا الدوائر، فلا نحن آمنون إن قاومنا ولا نحن آمنون إن لم نقاوم، ولذلك المزارع مرابط في أرضه والتاجر في تجارته والطبيب في عيادته ومشفاه والمعلم في مدرسته وطالب العلم في جامعته والمرأة في بيت زوجها والإمام في مسجده، ويزداد المرابط أجرا إذا حمل السلاح وقاوم وطارد العدو قبل أن يطارده.

وبهذا يتضح أن الرباط درجات كلّ حسب موقعه ومركزه وإمكاناته وقدراته فكلما كان أكثر كفاءة وقدرة كان في حقه أوجب، وبهذا يكون واجباً على كل مسلم في أرض فلسطين عامة ولكل قاعدة استثناء.

تصنيفات :