لقد شرف الله أهل فلسطين بأن جعلهم مرابطين في أقدس الأماكن، فهم في أرض الإسراء والمعراج التي باركها الله في كتابه العزيز، وقدّس رسوله الكريم هذا الرباط وجعله خير رباط، وهذا يدل على عظمة منزلة هذه الأرض عند الله تعالى، ولذا فقد وعد الله الصابرين المرابطين فيها بخير الثواب، وجزيل العطاء نتيجة صبرهم وتضحياتهم، فهم حصن الأمة الأخير، وهم آخر القلاع التي يسعى العالم المجرم إلى إسقاطها، وإخضاعها كما فعل مع غيرها في العالم العربي والإسلامي، وما حرب الإبادة التي يمارسها الاحتلال وأعوانه في غزة إلا حلقة من حلقات هذا المشروع الذي يستهدف الوجود العربي والإسلامي في فلسطين، وهنا يأتي دور الأمة في تعزيز هذا الوجود الفلسطيني، وتوفير كل مقومات الصمود لأهل فلسطين كافة، وأهل القدس خاصة، فمن حُرم لذة البقاء والعيش في فلسطين، فلا يحرم نفسه من ثواب دعم أهلها وتعزيز رباطهم، “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض”، وهذا ما قصده الرسول – عليه السلام – بقوله لميمونة حين سألته عن بيت المقدس فقال لها: “أرض المحشر، والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره”، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: “فتهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه”.
إن هذا الحديث وغيره من الوقائع والأحدث تحمل الأمة مسؤولية فلسطين وأهلها، فلا يجوز شرعا التخلي عن المرابطين فيها والمضحين لأجلها بل يجب دعهم، وتثبيت رباطهم، ليبقوا سدا منيعا، وحصنا قويا في وجه الغزاة، ولعلنا نلخص واجب الأمة في تعزيز أهل فلسطين، ورباطهم بنقاط مختصرة موجزة.
أولا: الدعم المادي
من يرى الأحداث في فلسطين يعرف أن الاحتلال قد مارس حربا اقتصادية ضد كل ما هو فلسطيني، وما تدمير المباني والمنشآت إلا حلقة في هذه الحرب، حتى يجبر الفلسطيني الذي أصبح معدما على الرحيل، لذا لا بد من توفير الدعم المادي لأهل الرباط، حتى تستمر حياتهم ويقوى جهادهم، وتعظم تضحياتهم. والله أمرنا بالجهاد بالمال والنفس؛ فمن لم تسعه نفسه للجهاد فلا يبخل بماله فالله يقول: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}، وهي هنا خلافة الغازي أو تجهيزه التي حدثنا عنا النبي عليه السلام بقوله: “”من لم يغز أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة”.
ثانيا: قول الحق بحق أهل فلسطين.
من أعظم الجهاد أن يقول المسلم الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، واليوم أهل فلسطين بحاجة ماسة لكل صوت حر، أن يقف معهم، ويثبتهم بكلمته، ويساندهم بمواقفه القوية، التي تثبت حقهم في أرضهم، وتحارب عدوهم، وهنا على علماء الأمة أن يقولوا كلمة الحق، فيبنوا للناس الحقيقة التي لا مفر منها، وأن يتجاوز خلافاتهم المذهبية والفقهية، وأن يتعالوا على رأي ساستهم وأهل الحكم ممن ارتضوا بشرع غير شرع الله حكما، فيكونوا أمام الصفوف في مساندة فلسطين، وتعزيز رباط أهلها، وكذلك على أهل الإعلام أن ينحازوا للحق ويكنوا سندا وعونا لأهلهم في فلسطين، ألم يأخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب بتبيان الحق وعدم إخفائه؟ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ.
ثالثا: المقاطعة الاقتصادية، والضغط على صناع القرار
مما يؤلم العالم المجرم اليوم، وبخاصة الاحتلال وشركاته، هو إيلام جيوبهم، ومقاطعة بضائعهم، ومطاعهم، فعلى الأمة الممتدة من شرق الأرض إلى غربها أن تعرف أن هذا السلاح هو من أقوى الأسلحة لمواجهة الغرب والاحتلال، ولتعزيز الفلسطيني في أرضه، فما أجمل أن يشعر أهل الرباط في فسطين أن إخوانهم في الأمة قد قاطعوا شركات الاحتلال وداعميه دعما لهم وتعزيزا لصمودهم ورباطهم! لذا على الأمة خارج فلسطين أن تحيي روح المقاطعة، وتقوي سياستها، ليشعر الاحتلال وداعميه أن خلف أهل فلسطين أمة لن تتخلى عنها مهما ابتعدت المسافات، أو تفرقت الوسائل والغايات.
رابعا: تربية الأبناء والأجيال على حب فلسطين وقضيتها
لقد راهن الاحتلال أن الكبار سيموتون وأن الصغار سينسون قضية بلادهم، لذا على الأمة في كل أماكن تواجدها أن تربي أبناءها على حب فلسطين، وأنها قضية العرب والمسلمين الأولى، وكذلك أن تربي جيلا يحمل هم هذه القضية ليكون خير عون وخير سند لأهل فلسطين في رباطهم وجهادهم، وأن يكون هذا الجيل صحيح الفكر، سليم العقيدة، ويكون مستعدا ليوم عظيم هو آت لا محالة، يوم تدخل الجموع إن شاء الله إلى فلسطين مكبرة فاتحة، وتعلي صوت الأذان في باحات المسجد الأقصى، وتقيم صلاة الفتح المبين إن شاء الله. وصدق الشاعر حين قال:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
تصنيفات : قضايا و مقالات