احذروا الصّنميّة الدّعويّة، بقلم د.عبدالسلام أحمد أبوسمحة
أبريل 28, 2025
للمشاركة :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على الرحمة المهداة سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد؛ فإن من أخطر ما تقع فيه الدّعوات -أعمّم ولا أخصّص- أن تُصاب بـ “حالة صنميّة” تصنعها الرّتابة الدّعويّة، والروتين المستمر دون حركةٍ تجديدية تُخرجها من الأطر المحنطة لجهودها إلى آفاق التطور والنمو والمبادرات المستجيبة للظروف المستجدة، وهذا أمر قد يشعر به أبناء الدّعوات، أو لا يشعرون في ظل حالة الاعتياد المؤنسة للقعود.

وللصّنميّة الدّعوية مظاهر متعدّدة، من أخطرها:

أولًا: صنميّة الوسائل والهياكل:

ثمّة دعوات أضحت أسيرة هياكلها ومسمّياتها التنظيمية، تجاوزت الغاية الّتي انطلقت لأجلها، وانشغلت بتقديس الوسائل حتّى صارت غاية في ذاتها، فغابت الأهداف الكبرى في ظلال الشّعارات والرّسوم. قال تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} [محمّد: 38].

ثانيًا: صنميّة الأشخاص والمشايخ:

وثمّة دعوات نصّبت مشايخها ورموزها مقام القداسة، لا يُذكرون إلا بالتّبجيل، ولا يُعرفون إلا بالموالاة والتّبرّؤ، حتّى صار النّاس يُختبرون بموقفهم منهم، وتُحاكم ولاءاتهم بمعيار الأسماء لا بمعيار المبادئ.

وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لا تطروني كما أطرت النّصارى ابنَ مريم، فإنّما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله» [رواه البخاريّ].

مهمة هذا النوع من الدعوات خطيرة إذ التعلق بالذوات يُلغي فكرة الدعوات، ويصبح المتمحور حول الذوات؛ فإذا ما قضت إلى ربها، تحول العطاء إلى التقديس، والتطوير إلى الرثاء؛ فتجمد الأفق على أعتاب هذا الشيخ، وبهذا تتعطل الدعوات على حالة تأبينية برهانية على منزلة الشيخ وسيرته، وهذا ليس عمل الدعوات، بل عمل كتب التاريخ والسير.

ثالثًا: صنميّة الأفكار والمقولات:

وثمّة نمطٌ آخر من الدعوات أسرت نفسها داخل منظومات فكريّة جامدة، رغم تقادم الزّمان، وتغيّر الأحوال، ووضوح الخلل، إلّا أنّها تصرّ على الدّفاع عن تصوّرات مهترئة، وقد غفلت أنّ الفكرة وسيلة، والحقّ غاية، والوسائل إذا قصرت عن بلوغ الغاية؛ وجب تعديلها، لا تقديسها.

لكن، سنّة الله ماضية لا تحابي أحدًا: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} [فاطر: 43].

مهما طال أمد الصّنميّة، فإنّ التّغيير السّننيّ كفيل بتجاوزها، سواء حصل ذلك بيد أبناء الدّعوة أنفسهم، أو بيد غيرهم، شاؤوا أم أبوا، وفي دورهم أو في دور غيرهم.

من هنا، فإنّ النّضوج الدّعويّ والفكريّ، يقتضي:

  1. دقّة التّقييم للواقع.
  2. فهم التّحولات والمستجدّات.
  3. استشراف المستقبل بعيون بصيرة.
  4. التّخطيط الرّاشد للوصول إلى الغايات.
  5. التّحرّر من تقديس الوسائل والأشخاص والأفكار.

{ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].

ولينتبه أبناء الدّعوات: إنّ الله ينصر دينه بصفاء الغاية، وصدق الوسيلة، وتجرّد القلوب، لا بكثرة الهياكل، ولا بجلالة الأسماء، ولا بزخرفة الشّعارات. {وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحجّ: 40].

تصنيفات :