ما دورك كفرد في ظل عجز الأمة؟!، أ. أحلام محمد سليم
مايو 1, 2025
للمشاركة :

في ظلِّ مخاض الأمَّة العصيب، وما نشهده من ظروف وأهوال تُصيبُ إخواننا وأهلينا في غزَّة العِزَّة، يتمَلَّكنا شعورٌ من العجز؛ ذلك العجز الذي استعاذ منه نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم فيما ورد عن أنس رضي الله عنه»اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ«.

ذلك العجز الذي امتلأت به أحداث العهد المكي من السيرة النبوية المشرفة بعد الجهر بالدعوة، حيث تفنَّن كفار قريش حينها بإذاقة المسلمين الموحِّدين أصناف العذاب المتنوِّعة، والمسلمون في قمَّة ضعفهم وألمهم. فها هم آل ياسر يلاقون الويلات من أبي جهل وأعوانه في سبيل نُصرة دينهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يراهم ولا يملك نُصرةً لهم ولا مَنَعة، فلا يزيد عن قوله لهم: »صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الجَنَّةُ«.

وهذا خبَّاب بن الأرَتِّ يأتي شاكيًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ظلم الظالمين، واستقواء الكافرين على المستضعفين من المؤمنين، فلا يملك له النبي صلى الله عليه وسلم حَولًا ولا قوَّة، إلا بَثَّ الأمل في قلبه بحتميَّة عزِّ الإسلام والمسلمين: »وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ«.

بل وهذا النبيُّ بمكانته وشرفه صلوات ربي وسلامه عليه، يلاقي ما لاقاه المسلمون من ألوان العذاب، والصحابة من حوله لا يملكون نُصرةً له ولا حماية. فقد رُوِيَ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: »بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ… فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ لَطَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«.

فانظر كيف كان شعور عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، ويتمنى لو استطاع أن يفعل شيئًا، فيقول: »لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ لَطَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ«. ولكنّه لم يكن له يومئذٍ مَنَعة؛ فوقف ينظر عاجزًا، يشهد الله على ما في قلبه من ألم وتوجُّع على ما رأى، لعلَّه يُعذَر إلى الله بحرقة قلبه على حبيبه وقُرَّة عينه محمد صلى الله عليه وسلم.

ولعلنا نبدأ من هنا الإجابة عن هذا السؤال الذي يحاصر تفكير كلِّ مَن كان في قلبه مثقال حبَّة من خردل من إيمان اليوم؛ ما دورنا في ظل هذا العجز الذي تحياه الأمَّة اليوم، وقد تخاذل الجميع عن هذه الثلَّة المؤمنة المباركة في أكناف بيت المقدس؟!.

أخي المسلم، اعلم أن الله مدبِّر نواميس الكون، وهو مُطَّلِعٌ على ما يدور في هذه البقعة المباركة من الأرض، وهو سبحانه عليمٌ بخفايا صدورنا. فلا أقلَّ من أن يرانا متألِّمين لمصاب إخواننا، لاهجة قلوبنا قبل ألسنتنا بالدعاء لهم وتمنِّي نصرتهم. فإيَّاك أن تُحْرَم أجرَ صدق النيَّة في نُصرة المستضعفين من المؤمنين؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الأعذار من المتخلِّفين عن غزوة تبوك:»إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ«.

ولكن تيقَّظ وتَفَطَّنْ أن لا تجعل من ذلك الشعور طريقًا للركون والقعود عن النصرة. فالله أعلم بإمكانيات كل فرد منا، فمن كان له مقدرة على أي نوع من النصرة فقد وجبت عليه. وانظر إلى موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه في المرحلة نفسها التي تحدثنا عنها في بداية مقالنا – مرحلة الاضطهاد والتعذيب في مكة – كيف استطاع أن يخفف من آلام المسلمين بما آتاه الله من قدرة مالية. فقد كان أبو بكر تاجرًا غنيًّا في قريش، فقرر رضوان الله عليه أن يجعل من ماله طريقًا لنصرة الإسلام، فأخذ على عاتقه أن يعتق ما استطاع من العبيد المسلمين الذين كانوا يتعرَّضون للأذى من أسيادهم، حتى وإن كلَّفه ذلك ماله كله. فها هو رضوان الله عليه يفدي بلال بن رباح رضي الله عنه بماله ليعتقه من عذاب أُبَيِّ بن خلف. عن قيس بن أبي حازم البجلي قال:»اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ – يَعْنِي بِلالًا – بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَهُوَ مَدْفُونٌ بِالحِجَارَةِ. قَالُوا: لَوْ أَبَيْتَ إِلَّا أُوقِيَّةً لَبِعْنَاكَهُ. فَقَالَ: لَوْ أَبَيْتُمْ إِلَّا مِائَةَ أُوقِيَّةٍ لَأَخَذْتُهُ«.

وقد جاء في الأحاديث عن فضل أبي بكر في نصرة الإسلام في تلك المرحلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال»مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَأْنَاهُ، مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ. وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ «رواه الترمذي، وصححه الألباني.

وهكذا نرى أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكتفِ بالدعاء وصدق النية لنصرة دين الله – على أهميتهما – بل انطلق بما استطاع من مقدرة جزئية في دفع الضرر والعذاب عن المسلمين المضطهدين. ولذلك، حريٌّ بنا أن نقتفي خطى أبي بكر رضي الله عنه في نصرة دين الله بما استطعنا من إمكانيات، وكلٌّ منا أعلم بإمكانياته:

  • فالأمُّ عليها واجب نصرة دين الله بتربية أبنائها على حب أهل الحق والذود عن حمى الإسلام متى ما توفَّر السبيل إلى ذلك – ولا تدري لعلَّ ذلك يكون قريبًا -.
  • والغنيُّ عليه واجب نصرة دين الله بماله بما يخفف عن المسلمين مصابهم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
  • والرجالُ واجبهم إعداد أنفسهم لما فرض الله عليهم من نصرة المظلومين بكل ما أوتوا من سبيل.

والأمثلة كثيرة لا يتسع المقال لذكرها، ولكن أساسها كله: انصر دين الله ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.

وختامًا: لا تقلِّل من أهمية إعداد نفسك إيمانيًّا بترك الذنوب والمعاصي بنية رفع البلاء عن إخوانك، فإن أساس الفرج والتمكين لعباد الله إصلاح النفوس والقلوب. وأنت جزء من هذه الأمَّة التي تطمح لنصر الله، فإذا أردت نصر الله فانصره أنت أولًا. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]. ونصرة دين الله تكون بالقيام بدينه والدعوة إليه، فهذا من أعظم أسباب النصر. ثم اعلم أننا مهما فعلنا نصرةً لهؤلاء المستضعفين فإننا مقصِّرون، ولكن حسبنا أن الله يعلم حرقتنا ودمعاتنا ونيَّاتنا، وهو العليم الحكيم.

تصنيفات :