وَانْتَصَرَ الطُّوفَان ،  الاِبْتِلاءُ بالمِحَنِ والجَزاءُ بالمِنَــن
مايو 1, 2025
للمشاركة :

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين ﷻ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلىٰ رَسُولِ اللهِ الأَمِين ﷺ، وعَلىٰ آلِهِ وصَحْبِهِ أَجَمَعِين، أمَّا بَعْـد:

كثيرةٌ هي الجرائمُ والمجازِرُ التي اقتُرِفَتْ، بِحَقِّ  أهلِنا في بَيتِ المَقْدِسِ -فِلَسْطِيْن-، وعُمومِ بِلادِ المُسْلِمِين ، وغَزيْرَةٌ هي الدُّرُوسُ والعِبَرُ التي تُستفادُ مِن هٰذه الحَروبِ الظالمةِ الفاشِيَّةِ النَّازِيَّةِ الضَّرُوسِ عَلىٰ المُسْتَضعَفين؛ فما هي أهمُّ  هٰذه المَحَطَّات ؟!

أولاً: الابتِلاءُ سُنَةٌ مِن سُنن اللهِ ﷻ، وقد ابتُلي الأنبياءُ والمرسَلونَ عليهم السلام وصالِحُ المؤمنينَ علىٰ مرِّ التاريخ، قال اللهُ ﷻ: ﴿ولَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ ولَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ﴾ [محمد: 4]، وقال ﷻ: ﴿ الٓمٓ ۞ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ ۞ ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 1-3]، وقال ﷻ: ﴿ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۞ الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157]، وقال رَسولُ اللهِ ﷺ: 〔 أشَدُّ النَّاسِ بَلاءً ؛ الأَنْبِياءُ ، ثُمَّ الأمْثَلُ فالأمْثَلُ، فَيُبْتَلىٰ الرَّجَلُ عَلىٰ حَسْبِ دِينِهِ، فإنْ كانَ في دِينِهِ صَلْبَاً اشْتدَّ بَلاؤُهُ، وإنْ كانَ في دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُليَ عَلىٰ حَسْبِ دِينِهِ، فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعَبْدِ حَتَّىٰ يَترُكَهُ يَمْشِي عَلىٰ الأرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيْئةٌ〕  (رواه الترمذيُّ في سننه؛ برقم: 2398، وقال : حَسَنٌ صحيح، وصحّحه الألبانيُّ في صحيح الترغيب؛ برقم: 3402).  

ثانياً: الابتِلاءُ والمِحَنُ والشَّدائدُ قد تَوالتْ علىٰ الأُمّةِ الإسلامِيَّةِ مُنذُ البَعثةِ المحمّديةِ الكَريمة، فحلقاتُها مُتشابِهةٌ تاريخياً. فالمِحَنةُ الحاليةُ التي يَعيشها أهلُ بَيتِ المَقْدِسِ -فِلَسْطِيْنَ-، بَلْ وعُمومُ بِلادِ المُسْلِمِينَ، ليْسَتْ أُولىٰ الشَّدائدِ والمِحَن، بل سبقَتْها مِحَنٌ كثيرةٌ قاسيةٌ؛ وعَليها شَواهدُ كَثيرةٌ في التاريخ ، فهٰذا الشَّعْبُ المُرابِطُ المُجاهِدَ الصَّابِرُ العَزيْزُ الكَرِيمُ ابتُلي في عَصرِنا الحاضِرِ بِما لا يُعَدُّ ولا يُحْصَىٰ مِن العَذَابات، وما لا يخفىٰ علىٰ أحدٍ مِن الدُّوَلِ والمُجتَمَعات؛ فتعَرّض للقَتلِ والإِعدامِ والمَذابِحِ والمَحارِقِ والمجازِرِ، والطَّردِ والتَّهجِيرِ والتَّهْدِيمِ والتَّدمِيرِ والتَّجْوِيعِ والتَّنْكِيل.

وإذا قَلَّبْنا صَفْحاتِ التّاريخِ، نجدُ أنّ الابتِلاءَ والمِحَنَ والشَّدائدَ رافقتْ المسلمينَ في مَراحِلِ أجيالِهِم المُتَعاقِبَةِ كافَّة، وفي الحُرُوبِ التي شَنَّها عَليهم أعداءُ اللهِ ﷻ وأعداءُ هٰذا الدِّين كافَّة…. ففي غَزوَةِ أُحُدٍ تألّم الصَّحابةُ (رَضِيَ اللهُ تَعَالىٰ عَنهُم) وامتُحِنوا وزُلزِلوا، واستَشهِدَ مِن خَيارِهم سبعونَ رَجُلاً، وكان مِنهم حَمزَةُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ (رَضِيَ اللهُ تَعَالىٰ عَنهُ) عمُّ رَسولِ اللهِ ﷺ. وفي غَزوَةِ الأحْزابِ بَلغَ الكَرْبُ والشِّدةُ مَبلَغاً عَظيماً؛ وصَفَها اللهُ ﷻ بقوله: ﴿إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ۞ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ [الأحزاب : 9-10]. ولكنَّ اللهَ ﷻ سُرعانَ ما أعَزَّ الإسلامَ وأكْرَمَ الأُمَّةَ بالنَّصْرِ والتَّمكِينِ على العَرَبِ والعَجَم كافَّة، وثبَّت اللهُ ﷻ أركانَ دولةِ الإسلامِ العالَمِيَّة… ولما سَقَطَتْ بَغدادُ عاصِمةُ الخِلافةِ الإسلامِيّةِ سنة 656 هـ علىٰ يَدِ المَغُولِ الذينَ ارتكبوا مجازِرَهم الشَّنيعَةَ، ظنَّ الجُبَناءُ أنّ رايةَ الإسلامِ قد نُكِّسَتْ، حتىٰ إنَّ بعضَ المؤرِّخينَ قد نَعُوا الإسلامَ، ولكنْ لم تمضِ سَنَتانِ حتىٰ وَقَعَتْ مَعرَكةُ عَينِ جالوتَ سنةَ 658 هـ ، فاندَحَرَ المَغُولُ وهُزِموا شَرَّ هَزيمةٍ، وانتَصَرَ الطُّوفَان… ولما سَقَطَتْ دَولَةُ الخِلافةِ الإسلاميةِ في بداياتِ القَرنِ العِشرينَ علىٰ يَدِ الصُّهْيونِيَّةِ النَّازِيَّةِ والصَّلِيبِيَّةِ الفاشِيَّة، وتمدَّدَتْ دُوَلُ الاِحتِلالِ في بلاد الإسلام، ظنَّ بعضُ العَلمانِيّينَ وأذنابُ المُستَشرِقِينَ أنّ الإسلامَ قد انتهىٰ وخَبَتْ جّذْوَتُهُ ولا سَبيلَ لعَودَتِهِ إلىٰ الحياة، ولكنَّ اللهَ ﷻ قيَّضَ للمُؤمِنِينَ صَحوةً كُبرىٰ في أنحاءِ العالَمِ الإسلاميِّ، أرجَعَتْ الإسلامَ إلىٰ صَدارةِ الأحداث، رغم أنفِ المُتَخاذِلِينَ وكَيْدِ الحاقِدِين.  

ثالثاً: الابتلاءُ والمِحَنُ والشَّدائدُ تَكشِفُ أُصُولَ النَّاسِ ومَعادِنَهُم، ففيها يتميَّزُ المُسلِمُ الصَّادِقُ عن المنافِق، ويَظهَرُ الخَلْقُ علىٰ حَقيقتهم، ويُعَرّىٰ المنافِقونَ والمُرجِفونَ الفَتّانُونَ علىٰ بَشاعَتِهِم؛ فقد قال اللهُ ﷻ: ﴿لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [الأنفال: 37]، وقال ﷻ: ﴿وَكَذٰلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55]، ولولا المصائبُ والشَّدائدُ ما انْفَضَحوا وما تعرَّف عليهم العاقِلونَ والغافِلونَ، ولمَا أدركوا مَدىٰ خَطَرِهم وخِيانَتِهم، ففي هٰذه الشَّدائدُ عِبرَةٌ لأُولِي الألْبابِ وقَومٍ يَعقِلُون…. فقد فُضِحَتْ أقزامٌ، وجُرِّدَتْ أقلامٌ، وجُلِّيَت حَقائقُ، وكُشِفَتْ خَبَايا، وعُرَّيَتْ خَفايا ؛ رُبَّما كانَتْ سَتَبقىٰ في دَهاليز الكِتمان، مَعَ ما تَحمِلُهُ في طَيّاتها مِن اللطائفِ وما تَعجَزُ عنه الأَفهام!!  فَشُكْراً لِعَدُوِّنا الذي أيْقَظَنا على أصواتِ القَذائف وآهاتِ الثَّكالَىٰ وعَذاباتِ السُّجُون ، وشُكْراً لهُولوكوسْت الأُوشتِيڤيز المَجْنُونِ، التي شَنَّها بَنُو صُهيُونَ علىٰ المَسْرَىٰ المُقَدَّسِ المَشْجُون ، وهٰكذا شَأنُ هٰذه الخُطُوبِ؛ تُجَلّي المَستُورَ، وتبيِّن المكْنُون…

فَجَزَىٰ اللهُ الشَّـدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ *** وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُــــنِي بِرِيقِـــي

وَمَا شُكـــْرِي لَهَا حَمْــداً وَلَكِنْ *** عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي

رابعاً: إنّ الدِّماءَ الزَّكِيَّةَ التي سالَتْ علىٰ أرضِ الإسْراءِ والمِعْراجِ وغَزَّةَ العَصِيَّةِ والضَّفَّةِ الأبِيَّة، وأشْلاءَ الأطفالِ والنِّساءِ التي مُزِّقَتْ، والحُرُماتِ التي انْتُهِكَتْ، تُثبتُ بما لا يَدَعُ مجالاً للشَّكِ، زَيفَ الأُكذُوبَةِ الكُبرىٰ التي أراد بَعضُ المُغْرِضِينَ أن يُسوِّقَوها علىٰ مَدىٰ أكثرِ مِن ثلاثينَ عاماً ؛ تحت الشِعاراتِ الخدَّاعةِ البرّاقةِ – كالسَّلامِ المزعُومِ والتَّطْبِيعِ المأفُون-   !!

أينَ السَّلامُ وما تَزالُ مَساجِدِي  *** في كُلِّ يـَومٍ تُستَبـاحُ وتُحرقُ ؟!!

أينَ السَّــــــلامُ وهٰذه أرواحُنــا  *** مِن دُونِ ذَنْبٍ كُلَّ يومٍ تُزهَقُ ؟!!

أينَ السَّــــــلامُ وأُمـَّــتي مَغلُولَةٌ *** ودَمِي علىٰ كُلِّ الخَنــاجِرِ يُهرَقُ ؟!!

أينَ السَّــــــلامُ وهـا هُمُ أطفالُنا *** قَبـْلَ الفِطـام تَكَسَّروا وتَمَزَّقوا ؟!!

هٰذا سَــــلامُ الخانِعينَ وعِنــدَنا *** شَجَرُ الشَّـــــهادَةِ كُلَّ يَومٍ تُورِقُ ؟!!

فلا بُدَّ أنْ نَصْدَعَ بالحقيقةِ القرآنيةِ الجَلِيّة؛ التي بَيَّن لنا اللهُ ﷻ مَعالِمَها وعِنْوانَها؛ بِقَولِه: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: 217]، وقَولِه ﷻ : ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ [آل عمران: 118].

خامساً: كَشَفَتْ هٰذه الشَّدائدُ وأكَّدَتْ علىٰ الحقيقةِ الثابتةِ؛ وهيَ أنّ مِلّةَ الكُفرِ واحدةٌ، وأَظهَرَتْ لنا زَيفَ الشِّعاراتِ البرَّاقةِ التي تُنادِي بها الدُّوَلُ الغَرْبِيَّةُ وعالَمُ الكُفْرِ ومُعَسْكَرُ النِّفاق؛ مِن شِعاراتِ حُقُوقِ الإنْسانِ، والديمقراطِيّة والعَدالةِ، وتَحقِيق السَّلام …  وفَضَحَتْ هٰذه الهَجمَةُ الشَّرِسَةُ المَحْمُومَةُ أكذُوبَةَ مجلِسِ الأمْنِ وأُلعُوبَةَ هَيئَةِ الأُمَمِ وهَزَالَتَها، ونَواياها الخَبِيثة. ولقد خَبَّرَنا اللهُ ﷻ؛ بالقَولِ الفَصْل: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]. وقد فَضَحَهُم اللهُ ﷻ في قوله: ﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبة: 10]، فيا أيُّها العُقَلاء ؛ انعَتِقوا من كُلِّ هٰذه المَسْرَحِيّاتِ والهَيئاتِ الدَّولِيّة العَجْفاء.

فأينَ النِّظــــامُ العالميُّ ؟!!  أما له أثرٌ ؟َ!!  ألم تنعِــقْ به الأبواقُ ؟!!

أين السَّلامُ العالميُّ؟!! لقد بدا كَذِبُ السَّلامِ وزاغَتْ الأحداقُ !!!

يا مجلسَ الخَوفِ الذي في ظِلِّهِ كُسِرَ الأمــانُ وضُيِّع الميثــــــاقُ !!!!

أوَ ما يُحركُكَ الذي يجري لنا ؟!!  أو ما يُثيركَ جُرحُــنا الدَّفَّاقُ ؟!! 

سادساً: كَشَفَتْ هٰذه الشَّدائدُ وأكَّدتْ علىٰ حقيقةِ الحُكّام الطُغاةِ ورُؤوسِ الخِيانَةِ وأتباعِهم، الذين لا يَفتأونَ يُشارِكونَ في هٰذه الجَرائمِ  النَّكراءِ بأفعالهم وأقوالهم وأموالهم، فالذين يحاصِرونَ غَزَّةَ هاشِمٍ، ويمنعونَ عنها المَعوناتِ الإِنْسانِيةَ، والإسْعافاتِ الضَّرورِيّةَ، بَلْ يَدفَعونَ أموالَهم لمُسانَدَةِ المُعتَدِينَ المُجْرِمِين!!  ويُبارِكُونَ ويُصَفِّقونَ للإبادَةِ والتَّدْمِيْرِ والتَّهْجِيْرِ والتَّحْريقِ والتَّجْوِيْعِ والتَّنْكِيْلِ وانتِهاكِ الأعراضِ وتَدْنِيسِ المُقَدَّساتِ وحُرُماتِ المؤمِنين، وإهانَةِ قُدُسِيَّةِ الكِتابِ الكَرِيمِ والنُّورِ المُبين!!  والإعلامِيُّونَ المُرْجِفُونَ الذين يُسَخِّرون أقلامَهُم وألسِنَتَهُم علىٰ (المحطات الفَضائحِيَّةِ !!)، لتَشجِيعِ وَحْشِيَّةِ الحِقْدِ الأَسْوَدِ الدَّفِين!!

أقول: لكِنَّ اللهَ ﷻ أطفأ نارَهُم وخَيَّبَ آمالَهُم وسَوَّدَ ذِكْـرَهم؛ إنَّهُ لهُم لبِالمِرْصادِ مُرِتَقِب، ولِجَرائمِهِم مُنْتَقِم .

سابعاً: لا بُدَّ لنا مِن الصَّبْرِ والثَّباتِ حتىٰ الممات، ففي المِحَنِ مِنَحٌ بأمْرِ اللهِ ﷻ، فكلما اشتَدَّتْ الخُطوبُ، وزادتْ الكُروبُ؛ اقتربَ الفَرَجُ بإذن اللهِ ﷻ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ۞ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ [الشرح: 5-6] … أوَ لَيْسَ لمَّا اشتدَّ حِصارُ كُفّارِ قُرَيشٍ علىٰ رَسولِ اللهِ ﷺ ؛ أخرجهُ اللهُ ﷻ سالِماً مَحفُوظاً، ولمَّا استَحْكَمَ حِصارُ فِرعَونَ ومَلئِهِ لموسىٰ عليه السلام وقَومِهِ؛ أخرجهُ اللهُ ﷻ ناجِياً مَرْشوداً: ﴿فَلَمَّا تَرَاءىٰ الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُون ۞ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 61-62]؛ فهٰذه هيَ سُنّةُ اللهِ ﷻ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۞ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۞ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: 171-173]. ولكِنَّ كُلَّ ذٰلِكَ مَرهُونٌ بأمرَينِ لا بُدَّ مِن تحقُّقُهما؛ تَقوىٰ اللهِ ﷻ، والصَّبْر، قال اللهُ ﷻ: ﴿وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ [آل عمران: 120]، وقال ﷻ: ﴿وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [آل عمران: 186]، وقال ﷻ: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90]، وقال ﷻ: ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ۞ ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ۚ ومَن يَتَوَكَّلْ عَلَىٰ اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ [الطلاق: 2-3]، وقال ﷻ: ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾ [الطلاق: 4]، وقال ﷻ: ﴿حَتَّىٰ إذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ولا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ﴾ [يوسف: 110]. وكتب عُمَرُ بنُ الخَطّاب (رَضِيَ اللهُ تَعَالىٰ عَنهُ) إلىٰ أبي عُبَيدَةَ بنِ الجَرّاحِ (رَضِيَ اللهُ تَعَالىٰ عَنهُ): (أما بَعدُ، فإنه مهما يَنزِلُ بِعَبدٍ مُؤمِنٍ مِن شِدَّةٍ يجعلُ اللهُ بعَدَها فَرَجاً، وأنّه لَنٍ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَين، وإنّ اللهَ ﷻ يقولُ في كِتابِه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200]. (رواه مالك وابن أبىٰ شيبة والحاكم والبيهقي في شُعَب الإيمان).

وخُلاصَةُ الأمر: أنَّ النَّصْرَ والعِزَّةَ والعاقِبَةَ والسِّيادَةَ والتَّمكِيْنَ ؛ لِعِبادِ اللهِ ﷻ المُؤمِنينَ الصَّابِرِينَ المُرابِطِينَ المُجاهِدِينَ المُتَّقِيْن… وأنَّ الخِزْيَ والعارَ والذِّلَّةَ والصَّغارَ والهَزيْمَةَ والانْهِيارَ ؛ للكَفَرَةِ المُفْسِدِينَ والخَوَنَةِ المُنافِقِينَ والظَّلَمَةِ المُجْرِمِين ….

فقد قال اللهُ ﷻ -للظالمِين المُجْرِمِين-: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ [العنكبوت: 22].  وقال اللهُ ﷻ -في المقابل- للمُؤمِنينَ المُتَّقِيْن-: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55].

فهٰذا هو حُكْم اللهِ ﷻ المَضْمُون، ووَعدُهُ الذي لا يَتَخَلَّفُ أيُّها المُؤمِنون…. ونحنُ بِهِ واثِقِونَ و راضُونَ

@

1/ذي القِعدة/1446ه

29/نيســــان/2025م

تصنيفات :