كيف نُربّي أبناءنا على الصمود في ضوء السيرة النبوية، أ. زياد عبدالله طروه
مايو 30, 2025
للمشاركة :

إن العالم اليوم يتسارع فيه التغيير وتكثر فيه التحديات، حتى أصبح بناء شخصية (صامدة) لدى أبنائنا ضرورة تربوية لا تقبل التأجيل. فالصمود لا يُغرس في يوم وليلة، بل هو ثمرة تربية ممتدة، تتكامل فيها المؤسسات الثلاث البيت والمدرسة والمسجد، وتنطلق من هدي السيرة النبوية التي زوّدت البشرية بأعظم نماذج الثبات في وجه المحن.

لقد كان رسول الله ﷺ قدوة في الصبر والمثابرة، ربّى أصحابه على الإيمان العميق والثبات في أحلك الظروف. ففي مكة، حيث بلغت الفتنة أشدّها، ثبت الصحابة بفضل التربية النبوية. يقول النبي ﷺ لآل ياسر ضارباً لنا أروع الأمثلة في التربية يواسي تلك النفوس الضعيفة بكلمات، كلمات تعطي للحياة معناً، وتعطي للصبر طعماً: “صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة”، يربط الألم بالثواب، ليُعلّمهم أن الصمود ليس فقط خياراً، بل عقيدة.

ويعلّم النبي ﷺ عبد الله بن عباس وهو ابن عشر سنين: “احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك...” فيغرس في قلبه الثقة بالله كأساس للثبات. بهذا الأسلوب، تُبنى الشخصية الصامدة من الداخل، لا بالتحفيز المؤقت، بل بالربط العميق بين العبد وربه.

أما البيت، فهو مهد التربية الأول. فحين أُصيب النبي ﷺ بالفزع من أوّل نزول الوحي، كانت خديجة رضي الله عنها أول من ثبّته بقولها: “كلا والله ما يخزيك الله أبدًا“، فغرسَت فيه الطمأنينة، وبثّت في قلبه الثقة. فكيف لا نحرص على أن تكون بيوتنا اليوم منبعاً للأمان والدعم، لا منبعاً للقلق أو اللوم. فالبيت ليس للطعام والمبيت، بل هو لغرس القيم في نفوس أبنائنا.

وأما المدرسة، بدورها، ينبغي أن تكون بيئة لتكوين الشخصية، لا فقط لتلقين المعلومات؛ بل على المعلم أن يربّي طلابه على أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل خطوة في مسار النجاح، وأن المبادئ أثمن من المكاسب. فالصمود وليد الطموح والإصرار، لا ثمرة الراحة والدَّعة. يقول الشاعر:

ومن يتهيب صعود الجبال … يعش أبد الدهر بين الحفر

وأما المسجد، فهو القلب النابض بالتربية الروحية والاجتماعية. لقد خرج من مسجد النبي ﷺ أعظم الرجال الذين واجهوا العالم بثبات ويقين. فعمارة المسجد ليست بالبناء فحسب، بل بالتزكية والتعليم والتربية.

وفي واقعنا اليوم، نحتاج إلى تربية أبنائنا على مواجهة الحياة لا الهروب منها، وعلى الحلم الطويل لا الإنجاز السريع. يجب أن يتعلّموا أن التحديات تصنع الرجال، وأن الصبر هو مفتاح الفرج. ومن الحكم: “إذا أردت أن تبني لسنة فازرع قمحاً، ولعشر سنوات فازرع شجرة، ولأجيال فازرع إنساناً”.

وخلاصة الأمر: إن تربية الأبناء على الصمود تبدأ من غرس الإيمان، وتُبنى بالحكمة، وتستمر بالقدوة. فإذا تكاملت جهود البيت والمدرسة والمسجد، خرج جيلٌ قادرٌ على الثبات أمام المغريات، والتماسك في وجه الأزمات، مستلهماً من سيرة نبيه ﷺ نور الطريق، وثبات القدم.

تصنيفات :