
يقول الله تعالى في خاتمة سورة آل عمران: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). والرباط هو الإقامة في الثغور، وملازمة المكان بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين، أي أقيموا على الجهاد. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل أمة سياحة، وإن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله، وإن لكل أمة رهبانية، ورهبانية أمتي الرباط في نحور العدو) (الطبراني عن أبي أمامة). وقد ذكر الله تعالى عن جماعة من المسلمين، يمتدح موقعهم وعملهم، والمتأمل في ذلك يوقن أن الله قد جمع ذلك كله لأهل بيت المقدس، فقد قال في وصفهم: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطأون موطئًا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين). وقال سبحانه: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا).
وإن من عظيم فضل الله على أمة الإسلام أن خص بيت المقدس بكثير من الفضل، وخص أهل فلسطين بالسكن فيه ليكونوا مرابطين. فعن ذي الأصابع، قال: قلنا: يا رسول الله، أرأيت إن ابتلينا بالبقاء بعدك، أين تأمرنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: عليك ببيت المقدس، لعل الله يرزقك ذرية يغدون ويروحون إليه، يعني مسجد بيت المقدس، أخرجه الإمام أحمد في المسند، والطبراني في المعجم الكبير. وجاء في مسند الشاميين عن مكحول، قال: دخلنا على واثلة بن الأسقع، فقلنا له: حدثنا بحديث سمعته من رسول الله، فقال: سمعت معاذًا وحذيفة يستشيران النبي – عليه السلام – في المنزل، فأومأ إليهما بالشام، ثم استشاراه فأومأ إليهما بالشام، ثم استشاراه فأومأ إليهما بالشام، قال في الثالثة: (عليكم الشام، فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من عباده، ومن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله).
وجاء في كتاب حياة الصحابة للكاندهلوي عن أرطاة بن منذر أن الفاروق عمر، قال لجلسائه ذات يوم: أي الناس أعظم أجرًا؟ فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة، ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين. فقال: ألا أخبركم بأعظم الناس أجرًا ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى. قال: رجل بالشام، آخذ بلجام فرسه، يكلأ من وراء بيضة المسلمين، لا يدري أسبع يفترسه، أم هامة تلدغه، أو عدو يغشاه؟ فذلك أعظم أجرًا ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين. كذا في كنز العمال. عن أبي أمامة الباهلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة من المدائن فهو في رباط، ومن احتل منها ثغرًا من الثغور فهو في جهاد (الطبراني وابن عساكر). وقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجهاد، فإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان (الطبراني). وعن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول الله يقول: رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه، فإن مات جرى عليه الرباط ويؤمن من الفتان ويقطع له رزق في الجنة (رواه مسلم). وعن أبي كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبًا، من غير شهر رمضان، أعظم أجرًا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبًا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرًا، (أراه قال) من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالمًا لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات، ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة) (سنن ابن ماجة).
تصنيفات : قضايا و مقالات