
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الخلق وحبيب الحق، سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم وسار على دربهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
يقول الحق سبحانه وتعالى، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. وقال صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث: “بشِّر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض”.
الإخوة الأكارم، وقفتان مع بداية عام هجري جديد، سائلين المولى سبحانه أن يكتبه عام خير ورحمة وعز ونصر للإسلام والمسلمين:
الوقفة الأولى: بعنوان (من رحم الألم يخرج الأمل)
شرَّفنا الله تعالى بأن كتبنا مسلمين، وكرمنا بأن جعلنا من أمة سيد الخلق والمرسلين. هذه الأمة التي تعاني هذه الأيام من الطغيان والظلم والاستبداد على مختلف الأصعدة. وفي خضم هذه الظروف العصيبة والفتن المتلاطمة والأزمات المتوالية، نقول: مهما اشتدت الكروب، ومهما ادلهمت الخطوب، ومهما اشتعلت نيران الفتن، سيكرم الله هذه الأمة بنصر عزيز مؤزر. فكما أكرم الله تعالى حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمنحة بعد المحنة، والأمل بعد الألم، والفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر، بعد مسلسل طويل من الظلم والقهر والاستبداد، فمع بداية عام هجري جديد نستشرف ببشريات النصر والتمكين التي ستولد من رحم القهر والظلم والمعاناة بإذن الله تعالى. وهذا تحقيق للوعد الإلهي المقرر في سورة الإسراء القائل: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ…} [الإسراء: 7]. فاستبشروا بنصر الله القادم.
الوقفة الثانية: رسالة لمن وصل إلى مرحلة اليأس والقنوط
بسبب الظروف العصيبة التي نمر بها والفتن المتلاطمة التي تعصف بنا، مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل: “بادروا بالأعمال الصالحة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا”.
أيها الإخوة الكرام، أيتها الأخوات الكريمات، لابد من وقفة نستلهم منها الحكمة من تأخير النصر والتمكين للإسلام والمسلمين. نقول: إن سنة الله تبارك وتعالى ماضية في خلقه، بأنه لا تمكين إلا بالابتلاء، ولا عزة ولا نصر لأمة الإسلام إلا بتطبيق سنة الابتلاء. ولعل من حكم الابتلاء أنها تمحيص واختبار لصفوف المؤمنين. فكما جرت هذه السنة على الأولين، سوف تمضي علينا، ليميز الله صفوف المؤمنين الصادقين من المنافقين والمندسين على هذا الدين، استنادًا لقوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37].
ولعلي أختم مقالتي ببداية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفًا، حيث قال: “بادروا بالأعمال الصالحة فتنًا”، فقد قرن المبادرة بالأعمال الصالحة مع اشتعال الفتن. وكأني بحبيب رب العالمين يخاطبنا في هذه الأيام بأن نعود عودة صادقة إلى الله تبارك وتعالى. حري بنا في هذه الأيام أن نعلن التوبة والعودة الصادقة إلى الله، وأن نرتقي من مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان التي نستحق عندها النصر. فربنا تبارك وتعالى عندما تحدث عن النصر والتمكين في القرآن الكريم، قرنه بوصف الإيمان ولم يقرنه مطلقًا بوصف الإسلام. وكثيرة هي الآيات القرآنية الدالة على ذلك، منها قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]. ليدل ذلك على أن تحقق مقاصد العبادات على قلوبنا وأركاننا وجوارحنا شرط لتحقق النصر؛ لأن الإيمان معناه: ما وقر في القلب وصدقه العمل. كتبنا الله وإياكم من عباده المؤمنين المتقين، وعجّل بالفرج والنصر والتمكين للإسلام والمسلمين.
تصنيفات : قضايا و مقالات