الوهن عواقبه وخيمة، أ. يوسف عبد الجليل جابر
يوليو 30, 2025
للمشاركة :

بسم الله الرحمن الرحيم

تعيش أمتنا هذه الأيام حالة من الضعف والوهن غير المسبوق، فرغم أننا خير أمة أُخرجت للناس، ومن صنع حضارة العالم؛ فأوروبا كانت تبيع صكوك الغفران عندما كانت بغداد ودمشق والقاهرة… تشع بالحضارة الإسلامية!

لقد أصاب أمتنا الوهن إلى درجة أنها لا تستطيع الوقوف مع قضاياها الرئيسة، بل إن بعض الدول تشارك أحيانًا مع عدوها في القتل والحصار وتسهيل مهمات العدو!

مفهوم الوهن

الوهن معناه الضعف، وقد يكون الضعف في البدن والعظم، كما ورد على لسان زكريا عليه السلام: “قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبًا”. وقد يكون في العمل والأمر. وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم معنى آخر للوهن وهو: حب الدنيا وكراهية الموت، فقال صلى الله عليه وسلم: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”. فقال قائل: ومِن قلةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: “بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”.

لا أظن أن مقصد الرسول صلى الله عليه وسلم المعنى الظاهر للحديث، وإنما قصد أن حب الدنيا وكراهية الموت أهم أسباب الوهن؛ حيث إن من تعلق بالدنيا وسعى من أجلها جَبُنَ، وترك قول الحق، وسعى إلى المنصب على حساب دينه ومبادئه، خاصة العلماء والقادة. ومن تعلق بالدنيا كره الآخرة والموت ولقاء الله تعالى، فأدى ذلك إلى ضعف الأمة وخَوَرِها.

مخاطر الوهن

للوهن مخاطر كثيرة، منها ما ورد في الحديث السابق، ومنها ما لم يرد، ونوجز أهمها على النحو الآتي:

  1. أن الأمة تصبح عددًا بلا قيمة ولا تأثير: كغثاء السيل الذي لا اعتبار له، فتدخل في الكثرة المذمومة، كقوله تعالى: “ولكن أكثر الناس لا يعلمون”، وقوله: “ولكن أكثر الناس لا يعقلون”. وهذا ما تعيشه الأمة اليوم؛ ما يقارب من ملياري مسلم لا تأثير لهم في القرارات الدولية، ولا في القضايا المصيرية التي تخص الأمة الإسلامية!
  2. انتزاع المهابة: أين هي هيبة الأمة اليوم؟ تُضرب أربع عواصم عربية في يوم واحد! وتحاصر غزة ويُجوَّع أهلها، بل يموتون جوعًا على مرأى ومسمع من العالم! بل يقف المسلمون عاجزين أمام إدخال شربة ماء أو علبة دواء.
  3. نهب خيرات الأمة وانتزاع ثرواتها: فبلادنا العربية والإسلامية غنية بالموارد الطبيعية والبشرية: النفط والغاز والزراعة والمعادن… لكن للأسف يتحكم أعداؤنا في كل شيء، حتى الدول النفطية تتحكم شركات أجنبية في إنتاجها، وما يعود للمسلمين أقل بكثير مما يعود للأجانب!
  4. لا عزة لأمة ضعيفة: القوة تصنع العزة، لذا لما دخل ربعي بن عامر إلى ملك كسرى، دخل رافعًا رأسه خارقًا النمارق بسيفه، معبرًا عن عزة الأمة وقوتها بقوله: “نحن قوم جئنا لنُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى سماحة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”. بينما يدخل أعداء الأمة اليوم إلى عقر دارنا أعزاء، إلى درجة أن الأجنبي يُعامل بطريقة أفضل بكثير في المطارات والجسور والمعابر… في بلاد المسلمين أفضل من المسلم الذي يعيش في نفس البلد أو المسلم القادم من بلد آخر!
  5. تشتت الأمة وتشرذمها: فبعد أن كانت بلاد المسلمين دولة واحدة يحكمها خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولها جيش واحد، بعد القضاء على الدولة العثمانية، قُسِّمت بلاد المسلمين إلى دويلات عبر اتفاقيات من صنع الاستعمار مثل سايكس بيكو، جلس خلالها شخصان من فرنسا وبريطانيا رسما حدود الدول العربية، وأصبح لكل دولة جيش وعلم ومسؤول، لا تستطيع أي منها الدفاع عن نفسها أمام الأطماع الاستعمارية، ليُطبق على بلاد المسلمين سياسة: “فرّق تَسُد”، وهو مصطلح وسياسة قديمة استُعملت منذ عهد السومريين والمصريين واليونان لتفكيك قوة أعدائهم من أجل سهولة السيطرة عليهم.

النهي عن الوهن

لذا أمرنا الله تعالى أن نبتعد عن الهوان حتى نظل أعزاء أقوياء، قال تعالى: “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”. يقول الطبري في تفسير هذه الآية: “يا أصحاب محمد، يعني: لا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم بأحد من القتل والقروح عن جهاد عدوكم وحربهم”.

ووصف المؤمنين المجروحين والمكلومين أنهم أعزاء أقوياء بدينهم وبفكرهم وعقيدتهم رغم جرحهم النازف، فقال تعالى: “وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين”.

وفي النهاية، لن يعود مجد هذه الأمة ما دامت متفككة ومتناحرة، بل ستظل مطمعًا لأعدائها، ولن يصلح حالها إلا بما صلح به أولها. لكن عزاؤنا أنه ستظل في الأمة فئة مؤمنة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.

تصنيفات :