الاختلاف والتنازع أساس الضعف والوهن ، أ. إبراهيم سبع أبو الفداء
يوليو 30, 2025
للمشاركة :

الاختلاف هو أن يأخذ كل طرف رأياً مخالفاً للطرف الآخر، أو أن تسلك جماعة طريقا غير طريق جماعة أخرى، والاختلاف لا يحمل معنى التضاد بالضرورة، فقد يؤدي الاختلاف إلى الهدف ذاته في النهاية، ولكن اشتداد الخلاف ليصل إلى التضاد قد يؤدي إلى التنازع والمشاحنة، مما يسبب ضعفاً، والضعف وهو نقضان القوة، قد يكون معوضاً مستدركاً إلا إذا استفحل في الفرد أو الجماعة فإن ذلك يقود إلى الوهن والهوان.

قضى الله سبحانه وتعالى أن يخلق الناس مختلفين، مستثنياً عباده من هذا الاختلاف ومتوعداً الآخرين بعذاب جهنم والعياذ بالله، ويظهر ذلك جليا في قوله سبحانه وتعالى في أواخر سورة هود (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)).

فما هو الاختلاف الذي يسبب الوهن والضعف؟ من بيان معنى الاختلاف والتنازع في مقدمة هذه المقالة، كان واضحاً أن الاختلاف المقصود هو الذي يصيب الجماعة الواحدة، وهنا  لا بد من التفريق بين خلاف واجب وهو محور الصراع بين أهل الحق وأهل باطل، وبين اختلاف مذموم منبوذ بين أهل الحق فيما بينهم، والأخير بلا شك سبب في تأخر الأمة وهوانها، وهنا لابد من التحذير من جمع أهل الحق وأهل الباطل في كفة واحدة تحت عنوان نزع الفرقة والاختلاف وتوحيد الجهود، فالله سبحانه وتعالى قال في سورة القلم (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) وقال في سور المائدة (قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) ).

إن الخلاف بين المؤمنين مهما كان عابراً أو مستعصيا، يجر على المجتمع المسلم عذابات وينحط بهم إلى ذيل الأمم، ويكفي في ذلك أن رحمات الله سبحانه وتعالى ترفع عند الخلاف كما في حديث ليلة القدر، كانت خصومة رجلين من الصحابة سببا في رفع ميقات ليلة القدر.

كما أن الاختلاف – وإن لم يصل إلى التنازع- سبب في هزيمة الجيوش، وذهاب النصر، وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك في سورة الأنفال إذ قرن بين طاعة الله ورسوله ونبذ الخلاف كسبب في النصر ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)، وليس بعيداً عن ذلك ما حصل للمسلمين في أُحد بعد أن نشب الخلاف بين الرماة طلبا للدنيا، ولعل الطمع في الدنيا هو سبب كل خلاف، إذا لو رُد كل أمر الى الله ورسوله ووزن بميزان الله لا بميزان الدنيا لانجلى أي خلاف، فكان العصيان والاختلاف سببا في الفشل وتحول النصر إلى هزيمة، قال تعالى في سور المائدة ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)  ) والملاحظ في هذه الآية وتدليلا على ما ذكرنا في البداية أن الخلاف المقصود إنما يقع بين المؤمنين، ففي أُحد كان الجيش من الصحابة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع حب الدنيا في قلب بعضهم حتى إن ابن مسعود رضي الله عنه قال ( ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد )  فحب الدنيا ( الغنيمة)  أدى إلى الخلاف حول الانضباط في الطاعة حتى كان الفشل وتسلل الضعف في قلوب المؤمنين وتحول النصر إلى هزيمة قاسية.

ولما كان الخلاف سببا في التنازع الذي يؤدي إلى الضعف والوهن وهوان المؤمنين، كانت سنة الله سبحانه وتعالى في التمايز بين المؤمنين، ومرة أخرى نعود الى اختصاص المؤمنين دون غيرهم بعيدا عن المنافقين و المشركين أو من يعتنقون المبادئ التي تتعارض مع الإسلام، إنما التمايز بين المؤمنين، حتى يتم تنقية الصف، الغث من السمين، والخبيث من الطيب حتى يتنزه صف المؤمنين من أي شائبة أو ولاء مشوه، حتى يكون رضى الله سبحانه هو الغاية الخاصة، فتزول أسباب الاختلاف النزاع، وينتهي حب الدنيا بكل ما فيها، وتتوحد الصفوف إيمانا راسخا وعقيدة صلبة في قلب نقي سليم وهذا من نعم الله سبحانه وتعالى على المؤمنين وإن كان التمحيص صعبا قاسيا أحيانا وتصاحبه أثمان باهظة أخرى ولكن عاقبة الأمر خير بأمر الله  قال تعالى في سورة آل عمران ( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179))

تصنيفات :