
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد.
إن من أعظم ما يُبتلى به المسلم في هذا الزمان ضعف الإيمان وتخلخل العقيدة، حتى أصبحنا نرى الوهن يدبّ في جسد الأمة كما يدبّ السوس في الخشب. ذلك لأن العقيدة الإسلامية تمثل الأساس المتين الذي تُبنى عليه شخصية الفرد المسلم، علمًا بأن الأمة تستمد قوتها النفسية والروحية والثبات في مواجهة المحن والتحديات من قوة إيمانها بعقيدتها الراسخة. وإن ضعف العقيدة في قلب المسلم يؤدي إلى الوهن، وقد حذر القرآن الكريم والسنة النبوية في نصوص كثيرة من الوهن، نذكر منها:
أولًا: الوهن في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]. في هذه الآية الكريمة، ربط الله تعالى بين الإيمان الحقيقي وبين العلو. فالمؤمنون الذين ترسّخت عقيدتهم لا يشعرون بالذل ولا يدخل الوهن إلى قلوبهم، مهما واجهوا من مصاعب؛ لأن قوتهم نابعة من يقينهم بالله تعالى.
وفي موضع آخر يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال: 2]. فالمؤمنون الحقيقيون تزداد قلوبهم ثباتًا وإيمانًا عند ذكر الله، ولا يتسلل إليهم الوهن؛ لأن العقيدة الحيّة في قلوبهم تمدهم بالقوة والطمأنينة.
وقد فسر علماء اللغة الوهن بأنه الضعف والرخاوة في القوة والعزيمة، بينما فسر علماء الشريعة “الوهن” بأنه ضعف العزيمة والإرادة، وهو ناتج عن اضطراب داخلي في منظومة الإيمان. فعندما تهتز الثقة بالله، وتغيب الغاية الإيمانية، ينهار المرء تحت ضغط الحياة، وتسقط الأمة أمام التحديات.
ثانيًا: الوهن في السنة النبوية
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوهن، فقد روى أبو داود وأحمد وصححه الألباني، عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن». قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت».
الحديث النبوي الشريف يُحلل جذور الوهن بدقة، فهو ليس في قلة العدد أو السلاح، بل في حب الدنيا وكراهية الموت، وهما حالتان تنبعان من ضعف الإيمان بالآخرة. ويظهر الحديث بشكل جليّ أن ضعف العقيدة، المتمثل في حب الدنيا وكراهية الموت، يؤدي إلى تفكك الأمة وذهاب هيبتها بين الأمم. فالوهن هنا نتيجة مباشرة لضعف الإيمان بالآخرة والانشغال بملذات الدنيا.
أليس هذا واقعنا؟ تهافت على الدنيا، وتكاسل عن الآخرة، وخوف من الموت، وضعف في اليقين. وما السبيل إلا بالعودة إلى العقيدة الصحيحة، وتعميق الإيمان في قلوبنا، وإحياء الثقة بالله والنصر منه. فيا من تشعر بالضعف، ويا من غلبك القلق والخوف، قوِّ عقيدتك، وتعلّق بالله، وسترى الفرق في نفسك وأمتك.
إن من أعظم الآثار المترتبة على ضعف العقيدة هو الوهن، والذي يؤدي إلى الخوف والقلق الدائمين. وهذا يفقد الفرد المسلم ثقته بالله تعالى ويجعله يشعر بالعجز والضعف أمام الابتلاءات، ويؤدي إلى التخاذل عن نصرة الحق؛ لأن ضعيف العقيدة لا يضحي من أجل الدين والعقيدة، بل يضحي لأجل مصالحه الدنيوية، فينهار أمام المغريات فيبيع دينه وعقيدته بعرض من الدنيا؛ وذلك بسبب ضعف الوازع الديني والإيماني عنده، فيكون منهزمًا نفسيًا وروحيًا أمام أعداء الله، في حين أن المؤمن القوي يواجه الصعاب بعقيدة راسخة كرسوخ الجبال.
وختاما فإن العقيدة القوية هي الحصن المنيع الذي يحمي الفرد والأمة من الوهن والضعف، ويجعلهم قادرين على مواجهة تحديات الحياة بثقة وثبات. وكلما ضعف الإيمان، دبّ الوهن في الجسد الإسلامي، وفقد المسلمون عِزّتهم وهيبتهم. فلنحرص على تقوية العقيدة في قلوبنا بالعلم والعمل واليقين، فهي مفتاح النصر والعزة في الدنيا والآخرة.
تصنيفات : قضايا و مقالات