
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
إن نصرة المستضعفين ونجدة المنكوبين من أوْلى الواجبات الإنسانية والشرعية في هذه الأيام العجاف، ولا سيما في فلسطين وقطاع غزة. وهذا الواجب الشرعي والإنساني يمتد ويتسع بامتداد قضية فلسطين وأهميتها عقديًا وسياسيًا وجغرافيًا، ويتأكد بامتداد أثر الحرب وحجم الضرر الذي يتعرض له إخواننا في قطاع غزة خصوصًا، وفلسطين عمومًا.
إن الإسلام العظيم دين متكامل شامل، يهتم بالفرد والجماعة والأمة، ومنطلق هذا الاهتمام والرعاية هو الفطرة البشرية السويّة والشرعة السماوية المحكمة. وقد تواترت الأدلة الشرعية على ذلك بيانًا وتحقيقًا؛ فقد اختار الله سبحانه وتعالى الإنسان ليكون خليفة في الأرض، وبيّن أن أهم واجبات هذا الاصطفاء القيامُ بأمر الله تعالى، وحقن الدماء، وسياسة الناس بالعدل والسلام، وإقامة نظام حكم صالح عادل يُصلح أحوال البشر، ويحقق مصالحهم، وينهض بآمالهم، ويحلّ الخلافات الطارئة بينهم بالقسط والعدل.
قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
وقال سبحانه: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا»، ثم شبّك بين أصابعه (رواه البخاري).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (رواه مسلم).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يَسْلِمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» (رواه مسلم).
فالأدلة الشرعية متضافرة متكاملة في بيان وجوب إقامة العدل والسلام، ونبذ العنف والاقتتال، وردّ المعتدين، ونصرة المظلومين. وقد انعقد على ذلك إجماع العلماء والعقلاء، وسُنّت من أجله القوانين، وأقيمت الهيئات والمؤسسات والكيانات الإقليمية والدولية.
إن الواجب الشرعي والإنساني في نصرة غزة وأهلها متحتم على كل من استطاع إليه سبيلًا، والكل قادر بلا استثناء. فأدنى درجات النصرة تكون بالدعاء، ونشر الأخبار، ولفت أنظار أحرار العالم والمناصرين لقضيتنا إلى تفاصيل هذه الحرب الشرسة، وواجب نصرة المنكوبين والمضطهدين.
أما النصرة العملية فهي آكد على كل مقتدر بالمال والجاه والمنصب والنفوذ والسلطة والتأثير، ومن جملة خطواتها:
* تسيير قوافل الإغاثة الإنسانية، تشمل الطعام والشراب والدواء واللباس، وإيصالها للمنكوبين.
* الإيواء المؤقت، بإدخال البيوت المتنقلة، وإعادة تأهيل البيوت المتضررة.
* إدخال الطواقم الطبية والخدماتية والآليات الهندسية لإزالة الركام وإعادة الإعمار.
* إدخال الطواقم الإعلامية الدولية والإقليمية والمحلية لتوثيق مجزرة القرن، ونقل معاناة المنكوبين للرأي العام.
* كفالة الأيتام والأرامل والمرضى والمصابين وكبار السن، وتوفير الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم لهم.
* السعي الحثيث لإطلاق سراح الأسرى وعودتهم إلى أهلهم وأوطانهم.
* تشكيل جبهة دولية – رسمية وشعبية – مساندة وفاعلة، تمنع تكرار مثل هذه المجازر الوحشية، وتضمن محاسبة مرتكبيها محاسبةً فورية.
* تمكين المؤسسات الدولية والإنسانية من الاستجابة العاجلة دون قيود عند وقوع الحروب أو الكوارث الإنسانية.
* إنفاذ القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية في ساحات الحروب، وإنصاف المضطهدين والمهجّرين من أوطانهم.
* وقف الانتهاكات اليومية التي يعاني منها المواطنون في القدس والضفة والداخل المحتل، ولا سيما ما يتعلق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية.
* استثمار طاقات وحراكات الشعوب والجماهير حول العالم في دعم المواقف الإنسانية والقضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مع منع التضييق على هذه الحراكات أو على منظميها وداعميها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرّج عنا كل همٍّ وكرب، وأن يدفع عنا كل فتنة وحرب، إنه على كل شيء قدير.
تصنيفات : قضايا و مقالات