
حرم الله سبحانه وتعالى الظلم على نفسه وعلى عباده، فقال في الحديث القدسي: (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا).
والظلم من أعظم أسباب الخيبة والخسارة في الآخرة: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً)، وهو سبب للطرد من رحمة الله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين). وقد توعَّد الله تعالى الظالمين بالهلاك في الدنيا والآخرة: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً)، (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).
في ظل هذه التوجيهات الربانية بُني المجتمع المسلم وقام على العدل والإنصاف، واجتناب الظلم والجور والبغي. تربط أفراده الأخوة في الله عز وجل، وبرهانها عدم الظلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه). فإن وقع ظلم على أحد، فرداً كان أو جماعة، هبّ الباقون لنصرته والذود عنه ورفع الظلم عنه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ومنها: نصر المظلوم).
وقد امتثل الصحابة الكرام للهدي النبوي، فتجد أحدهم يقتل يهودياً نصرةً لامرأة مسلمة مظلومة، قام هذا اليهودي بالاعتداء على شرفها، إذ ربط ذيل ثوبها بأعلاه، فلما قامت انكشف جسدها، فقتله المسلم، فقتل اليهود ذلك المسلم. وهكذا ضحى هذا المسلم بروحه رخيصةً في سبيل الله تعالى نصرةً للمرأة المظلومة.
وعلى خطاه سار الصالحون من المسلمين، فها هو المعتصم ينطلق بجيش عظيم نصرةً لامرأة مسلمة مظلومة أسرها الروم فصرخت: “وامعتصماه”.
وفي هذه الأيام الثقال… فإننا نعايش أبشع أنواع الظلم وأفظعه وأقساه، هناك في غزة هاشم، حيث يتعرض إخوة لنا لأصعب أشكال الظلم والقهر والإذلال والتقتيل والتجويع والتهجير والتدمير… إذ يقوم المحتل بارتكاب المجازر الجماعية يومياً، ويدمر البيوت والمدارس والمساجد والمستشفيات والمحلات التجارية والمخابز والمقاهي… في محاولة منه لمحو الحياة هناك. إنه حقاً يشن حرب إبادة جماعية، تطهيراً عرقياً…
وتصل من هناك مشاهد مؤلمة موجعة تحرق القلوب، وتبكي العيون، وتمزق الأفئدة، وتأخذ الألباب، يصدق فيها قول الشاعر:
ومعذرةُ اليراعةِ والقوافي … جلالُ الرزءِ عن وصفٍ يدق
لقد هُدمت صوامع وبيع وصلوات يُذكر فيها اسم الله…
وأمام هذا الظلم والطغيان، يتساءل المرء عما يمكنه فعله نصرةً لهم وسعياً لأجل رفع هذا الظلم عنهم؟!
إن باستطاعة كلٍّ منا فعل الكثير، أداءً لواجب نصرة المظلومين المكلومين المجوَّعين المهجَّرين المقهورين في غزة العزة.
أولاً: الدعاء لهم
إن من أول وأوجب الواجبات نصرةً لهم أن تظل ألسنتنا تلهج بالدعاء لهم، فالدعاء سلاح المؤمن وحبله المتين. وعلينا تكثيف الدعاء لهم صباح مساء، واستثمار أوقات استجابة الدعاء: في السحر، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود… ندعو الله تعالى بإلحاح: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل)، بتذلل وخضوع وانكسار، ندعوه دعاء المضطرين: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، وندعوه سبحانه ونحن واثقون من استجابته: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
ندعوه سبحانه أن يفرج كربهم، ويطعم جائعهم، ويكسو عريانهم، ويؤوي مشرَّديهم، ويتقبل شهداءهم، ويشافي مرضاهم وجرحاهم، ويعوّضهم خيراً مما أُخذ منهم، وأن ينصرهم نصراً مؤزراً مبيناً، وأن ينتقم ممن ظلمهم وخذلهم وتخلى عنهم، وأن يهزم عدوهم…
وعلينا ألا نستهين بالدعاء، فالله سبحانه وتعالى أمرنا به ووعدنا بالاستجابة: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان).
ثانياً: نشر أخبارهم والحديث عنهم دون كلل أو ملل
فبإمكان كلٍّ منا نشر أخبارهم بمختلف تفاصيلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، كأن يشارك مشاهد التقتيل والتدمير والقصف والتجويع والنزوح… إن ذلك مما يساهم في إيصال مأساتهم للعالم بأسره، ويجلب التعاطف الدولي والإنساني مع قضيتهم، ويكشف حقيقة المحتل وأفعاله وظلمه. وقد حرص المحتل على طمس الحقيقة وإخفائها وتضليل الرأي العام العالمي، وبالنشر والمشاركة والتفاعل نستطيع إظهار الحقيقة وإيصالها للعالم، وتحريكه لرفع الظلم عنهم على المستويين الرسمي والشعبي.
والحديث عنهم ينبغي ألا يقتصر فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، بل يجدر أن يكون في كل مجلس، وعند كل زيارة، وفي كل جمعة، مع الأهل والأحباب والجيران والزملاء والأصدقاء… نذكر بعضنا بعضاً بالحرب المسعورة الدائرة عليهم وأبرز أحداثها اليومية، نذكر بعضنا بعضاً بآلامهم وآمالهم، نذكر بعضنا بعضاً بواجباتنا تجاههم، ونتحدث مع أبنائنا وبناتنا عن مآسيهم.
ثالثاً: التبرع لهم
يمكن للواحد منا التبرع بما تجود به نفسه: سداً لجوعتهم، وسقياً لعطشهم، وكسوةً لأجسادهم، وعلاجاً لأسقامهم وجراحاتهم، وقضاءً لحاجاتهم، وجبراً لكسرهم، وإدخالاً للفرحة إلى قلوبهم.
ولئن كان أعداء الحق يدعمون المحتل بكل ما يملكون، فحريٌّ بأهل الحق أن يدعموا إخوتهم المظلومين المقهورين بما يعزز صمودهم، ويقوي عزائمهم، ويرفع معنوياتهم، ويعينهم على ما هم فيه.
ولنتذكر قول الحق جل وعلا: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون)، (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم).
رابعاً: مقاطعة منتجات الاحتلال والداعمين له
ومن منا لا يستطيع المقاطعة؟! إن المقاطعة قرار الأحرار، قرار أصحاب الدين والمبادئ والقيم، قرار الشجعان الذين انتصروا على أنفسهم ولم ينهزموا أمام رغباتهم وشهواتهم. شعارهم: “سأقاطع ولو كنت وحدي، ولن أدفع ثمن رصاصهم”.
ترى الكثيرين من المثبطين يقللون من قيمة المقاطعة وأهميتها، معللين ذلك بأن القوى العظمى العالمية تدعم المحتل، ويتساءلون بإحباط عن جدوى المقاطعة! لهؤلاء أقول: إن على كل منا أن يُخرج منتجات المحتل وأعوانه من بيته، حتى يخرج هو من أرضه ووطنه. ومهما كان الدعم المقدم للمحتل عظيماً، ومهما كان أثر المقاطعة ضعيفاً، فإن المقاطعة مبدأ ودين نلقى به وجه الله تعالى، وجواب نعده له سبحانه حين يسألنا: ماذا فعلتم لإخوانكم؟ وكيف نصرتموهم؟
خامساً: التأدب في حضرة الألم
علينا جميعاً واجب عظيم وخطير، وهو أن نتأدب في حضرة الدماء والأشلاء وبتر الأطراف والتجويع والتدمير والقصف والوجع والفقد… حيث لا يليق بأحدنا أن ينشر منشوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحتوي صوراً أو مقاطع فيديو أو كلمات مدح وثناء لأبنائه وبناته في مختلف المناسبات: كذكرى الميلاد أو حفل الزفاف أو الرزق بمولود أو التخرج أو النجاح، أو صور ما لذ وطاب من الطعام والشراب والنزهات والحفلات والرحلات والزيارات…
في حين إن إخوتنا يفقدون أبناءهم وبناتهم في عمر الزهور، ويفقدون بيوتهم ومدارسهم وجامعاتهم ومستشفياتهم… محرومون من الطعام والشراب والماء… من نزوح إلى نزوح، ومن ألم إلى ألم، ومن وجع إلى وجع.
ختاماً
على كل منا أن يعد جواباً لله تعالى حين يسأله عن غزة وأهلها المظلومين. وحذاري من التقصير في حقهم، والتقاعس عن نصرتهم فيما نستطيع ونقدر: (ما من امرئٍ مسلم يخذل امرئً مسلماً في موطنٍ تُنتهك فيه حرمته، ويُنقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تصنيفات : قضايا و مقالات