معلمنا أملنا في وسط الركام والدمار، د. فراس زكريا شقيرات
Oktober 1, 2025
للمشاركة :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنام ومسك الختام، محمد بن عبد الله الذي نُبِّئ بقوله تعالى: ﴿ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1].

المعلِّم هو خليفة الأنبياء والرسل في تعليم الناس الخير، وإرشادهم إلى الطريق القويم، فهو الذي يحمل مشعل النور والعلم ليضيء به حياة أجيال من أمة مسك الختام.

فكيف إذا جمع هذا المعلِّم، مع هذا الدور الجليل في تنشئة الأجيال وتعليمهم، فضيلةَ الرباط في هذه الأرض المباركة؟

هذا المعلِّم يتولّى مهمة تنوير الأجيال المتعاقبة على هذه الأرض، بتعليمهم دينهم وأمور حياتهم العلمية والإنسانية، ويبذل جهده في ربطهم بأرضهم وصبغهم بهويتهم العربية والإسلامية.

وهو المعلِّم الذي تعرّض فيما مضى، وما زال يتعرّض، لجملة من العقبات والصعوبات التي قد تحدّ من دوره العلمي والتربوي، وتُقلِّل من تأثيره على تلامذته، وتُفرغ وظيفته المقدسة من جوهرها في تنشئة أجيال متعلّمة متنورة، واعية بدورها في الحياة بشكل عام، وبواجبها تجاه مقدساتها وأرضها بشكل خاص.

إن المعلِّم الفلسطيني على مستوى الوطن، وخصوصًا في مدينة القدس، يواجه صعوبات وتحديات كثيرة في عمله. وأول هذه التحديات وأخطرها هو الاحتلال، الذي يشن اليوم هجمة شرسة على الهوية الفلسطينية من خلال محاربة المنهاج الفلسطيني، وإغلاق المؤسسات التربوية والمدارس التي تقوم بتدريسه، بل واعتقال المعلمين والمديرين الذين يثبت أنهم يخالفون تعليماته في تدريس المنهاج الفلسطيني بمدينة القدس.

ونرى اليوم ملاحقات أمنية للمعلمين الذين يدرّسون أفكارًا تخالف سياسة المحتل، ويُمنعون من الحصول على التصاريح التي تمكّنهم من دخول القدس لأداء رسالتهم التربوية في مدارسها.

ومن التحديات التي يواجهها المعلِّمون أيضًا تدني رواتبهم مقارنةً بمستوى المعيشة في مدينة القدس، إذ يتقاضون أجورًا لا تتلاءم مع غلاء المعيشة، مما يفرض على بعضهم العمل في وظائف إضافية من أجل الوفاء بالتزاماتهم وتوفير احتياجات أسرهم.

وعلى الرغم من ممارسات الاحتلال، ومن الضائقة المالية الناتجة عن تدني الرواتب أو عدم صرفها كاملة، إلا أن المعلِّم يبذل جلَّ جهده وطاقته للقيام بمهمته على أكمل وجه. فقد بقي المعلِّم الفلسطيني على رأس عمله، رغم عدم تلقيه راتبه كاملًا لسنوات عديدة، حاملًا على عاتقه مسؤولية أمانة التعليم، وما ذاك إلا لضميره الحي وواجبه الوطني وأمانة المهنة التي يدرك أهميتها ودورها في حماية أبناء الأرض المقدسة والحيلولة دون تحقيق أهداف المحتل وأطماعه.

وسيظل المعلِّم هو العمود الفقري في تربية الأجيال وتنشئتها على القيم الدينية والمبادئ الوطنية والأخلاق السامية، وهو من يصنع البوصلة والتوجّه الصحيح لهذه الأجيال نحو هويتها الحقيقية.

وعلى المجتمع أن يحتضن هذا المعلِّم، ويحيط به من كل جانب، ليكون درعًا حاميًا له من أيدي الغدر القريبة والبعيدة، وأن يوفّر له الأمان المادي والأمني الذي يحتاجه ليتمكّن من أداء رسالته. وعلى المجتمع الطامح للنهوض بذاته أن يمنح المعلِّم راتب وزير، وحصانة دبلوماسي، وإجلال إمبراطور؛ فإذا توفّرت له هذه الثلاثة رأيته في قمة عطائه وأدائه.

إن تكريم المعلِّم الفلسطيني، وخاصة في القدس، لا يكون بالكلمات فقط، بل بترسيخ مكانته في المجتمع، وتوفير الدعم اللازم ليستمر في أداء رسالته العظيمة.

فالمعلِّم هو الأمل المتجدّد وسط الركام، وهو صانع الغد الذي نتطلع إليه، وهو الجسر الذي يربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

فلنقف معًا وقفة إجلال لمعلمينا، ولنعترف بفضلهم، ولنعلم أن صمودهم هو صمود المجتمع بأسره، فهم أملنا في أن ينهض جيل قادر على كسر القيود وصناعة مستقبل أفضل وغدٍ مشرق.

تصنيفات :