لقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم جوادًا، لدرجة قد لا يتخيلها الإنسان، حتى عبر عنها ذلك الرجل لقومه بالقول: “إن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ” [رواه مسلم]، وكان هذا الجود يزداد في شهر رمضان، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ”، وهذا الحديث يرسم لنا تلك الأجواء التي كانت تزيد من جوده صلى الله عليه وسلم، فالوقت فاضلٌ وهو شهر رمضان، والكلام الذي ينزل هو أعظم كلام وهو القرآن، والنازل من السماء هو جبريل عليه السلام، ومع رسول الله تكون مدارسة القرآن، وقد ذكر العلماء عدة حِكمٍ لازدياد جوده في رمضان، ويهدف هذا المقال لبيان بعضها، ومنها:
- إن تلاوة القرآن تحيي الشعور بالغنى النفسي، فمن يعش في ظلال الآيات الكريمة يستشعر عظيم نعم الله عليه، وكثرة عطاياه، والغنى هو سبب الجود. [فتح الباري لابن حجر: 1/31].
- إنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي شهر رمضان زَائِدَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِرُ مُتَابَعَةَ سُنَّةِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ. [فتح الباري لابن حجر: 1/31].
- إن الله يفيض على قلبه صلى الله عليه وسلم بالكثير من الأعطيات والبركات، وذلك حين يكثر لقاؤه بجبريل عليه السلام، “فيجد في مقام البسط حلاوة الوجد، وبشاشة الوجدان، فينعم علي عباد الله بما يمكنه مما أنعم الله عليه، ويحسن إليهم كما أحسن الله إليه شكرًا لله علي ما آتاه” [شرح الطيبي على مشكاة المصابيح 5/1628].
- إن التقاءه صلى الله عليه وسلم بجبريل، واقترابه منه، يجدد الإيمان واليقين في قلبه، ويزيد من ترقيه في المقامات، وعلو الدرجات، وذلك لأن جبريل يأخذ القرآن الكريم عن رب العزة جل جلاله، فالقرآن يتلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله سبحانه وتعالى.
- ذكر الفقهاء أن كثرة جوده عليه السلام في رمضان تعود لفضيلة الوقت الذي تضاعف فيه الطاعات. [التحبير للصنعاني، 6/190].
- تأثره صلى الله عليه وسلم بالالتقاء بجبريل عليه السلام، فإن ملاقاة الصالحين وصحبتهم، تؤثر في الإنسان، وتشجعه على الإكثار من فعل الخير. [شرح النووي على مسلم: 15/69).
وأختم بقول الشافعي رحمه الله: “فأحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم”. [الشافي في شرح مسند الشافعي: ابن الأثير الجزري، 3/251].
تصنيفات : قضايا و مقالات