بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القائل ” إنما النساء شقائق الرجال”[ حديث صحيح رواة الترمذي وغيره]”. هناك مقولة شهيرة، وهي أن ” وراء كل رجل عظيم امرأة” وهذه كلمة حق يراد بها حق، فالرجل مهما علا شأنه وارتفع قدره، لا بد وأن تكون إلى جانبه، أم تسانده، أو زوجة تدعمه، أو أخت تشجعه، أو ابنة تقدره. هذه هي المرأة، مهما كان موقعها الاجتماعي أماً أو زوجة أو ابنة أو أختاً أو معلمة فإنها لا تنفك أن تكون صانعة للرجال، ومربية للأجيال وموجهة لها. حتى إن نابليون بونابرت قال مؤكداً على هذا الدور العظيم للمرأة : ( إن المرأة التي تهز السرير بيمناها، تهز العالم بيسراها) وذلك أن المرأة التي تدرك الحكمة من خلقها، وعلة وجودها في هذه الحياة، لن يقتصر دورها على أعمال المنزل، من طهي للطعام وتنظيف للأواني، وكي الملابس…بل سيتعدى ذلك إلى قيادة المنزل بجميع أفراده نحو بر الأمان، بما حباها الله به من الحكمة والفطنة واستواء الفطرة، ونور البصر والبصيرة، ستدرك أنها صاحبة أنها صاحبة رسالة، وأن عليها تأديتها على وجهها الأكمل، فتجدها أماً ترضع أبناءها حب العلم وأهله، وتغذيهم عشق الوطن والدفاع عن حياضه والعمل على حريته ورفعته، وتشربهم معاني العزة والكرامة والإباء، وتجدها زوجة تحفز زوجها على ارتقاء سلالم العلم والعز والفخار، وتجدها أختاً تدعم أخاها للسير قدماً في طريق المجد والجد والاجتهاد.. وتجدها ابنة تشجع أباها على المضي في سبل العلم، واقتفاء أثر العلماء الأفذاذ والخطو بلا تردد في سبيل الجهاد في سبيل الله، وتكون في ذلك نعم المربية والمعلمة.
ومنذ بزوغ فجر الإسلام، ضربت المرأة المسلمة أروع الأمثلة في صناعة الرجال في مختلف الميادين. ففي ميدان العلم تجد الصحابية الجليلة أم سليم بن ملحان تأخذ ولدها أنس بن مالك رضي الله عنه من يده ليتربى في بيت النبوة، وينهل من معينه العذب، ويكون خادماً لسيد البشر، ليغدو الصحابي الجليل والعالم الكبير، والقدوة والأسوة للمؤمنين. أما في ميدان الشجاعة والجرأة في الحق، فتجد الصحابية أسماء بنت أبي بكر تعلم ابنها عبد الله بن الزبير استقبال القدر بثبات على المبدأ، وتمسك بالحق، وتشبث بأهله، قائلة له:” ما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها”.
وفي ميدان التضحية والجهاد، جادت الصحابيات بفلذات أكبادهن رخيصة في سبيل الله، بعد مرافقتهم في دروب الجهاد كالصحابية الجليلة الخنساء، صاحبة المقولة الصادقة (الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأسأله سبحانه أن يجمعني بهم في الجنة). وإن صناعة المسلمات الأوائل للرجال لم تكن فقط من خلال الروابط العائلية، ولكن كانت النساء حقاً معلمات وفقيهات لهن حلقات علم، يغشاها الكثير من الرجال والنساء، يتفقهون في دينهم. ولا أنسى أن المرأة التقية التي تراقب ربها هي من صنعت الخليفة الراشد الخامس ( عمر بن عبد العزيز)، إذ هو حفيد تلك الفتاة المؤمنة التي رفضت خلط الحليب بالماء خشية الله تعالى، ومراقبة له. وتوالت المرأة المسلمة عبر العصور في صناعة الرجال في مختلف الميادين، فتجد كبار علماء المسلمين من فقهاء وأصوليين ومحدثين وأئمة مذاهب، شبوا أيتاماً وتربوا على أيادي أمهات ماجدات، وأخوات عظيمات وزوجات داعمات، كالإمام البخاري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، أما الحافظ ابن حجر فقد وجهته أخته ليسلك درب المجد في حفظ السنة النبوية المشرفة؛ ليرتبط اسمه بحفظها ويكون الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وفي عصرنا الحالي، وتحديداً في فلسطين، ولّادة الأبطال المجاهدين المقاومين المدافعين عن حياض المسجد الأقصى وثراه الطهور، برزت العديد من النساء اللواتي صنعن أبطالاً، وأنشأن رجالاً في زمن يعز فيه الرجال، حيث ساروا في طريق المجد، وانضموا لركب العزة والكرامة، والتحقوا بقوافل المجاهدين في سبيل الله فكان منهم القادة العظماء، والشهداء الأبرار، والأسرى الأحرار، مثل أم نضال فرحات وغيرها من خنساوات فلسطين.
ختاماً.. فإنني أدعو نساء المسلمين اليوم، إلى استعادة دورهن الحقيقي، المتمثل في جيل النصر المنشود، من خلال زرع حب الله وخشيته أولاً في نفوس النشء، وغرس حب النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته في القلوب الفتية، و ريّ القلوب بعشق الحلال وأهله، وبغض الحرام وأهله، وملء الأفئدة بالحرص على العلم بمختلف فروعه وأقسامه، وتصدر مشاهد التميز والتفوق في جميع ما سبق، وتربية الصغار وتعليم الشباب وتوجيه الكبار، ودعم الناشئين، مهما كان موقع المرأة في المجتمع، فإن لها دور القيادة والريادة لأنها إن أدته بأمانة، ونجحت فيه ببراعة، فإن تأثيرها سيكون شاملاً للمجتمع بأسره، في نهضته ونموه وازدهاره، ويقوده الرجال الرجال، الذين عم صنعة النساء المؤمنات التقيات العالمات الماهرات…
تصنيفات : قضايا و مقالات