من باب حطة إلى باب القطانين
الأستاذ محمد الجلاد – أبو الحسن
لكل باب من أبواب المسجد الأقصى حكاية بل ثلاث حكايات، حكاية تاريخ تمتد جذورها في عبق الماضي العتيد المجيد، وحكاية هندسة في إبداعها وروعتها وبهائها، أما حكايته الثالثة فهي حكاية صناعة الحاضر، ولست هنا بصدد الحديث عن حكايا الأبواب التاريخية ولا الهندسية وإنما بصدد الحديث عن حكايا تلك الأبواب في صناعة تاريخ اليوم الحاضر، في إعادة صناعة العزة والمجد والانتصار، فكأنما هي أبوابنا إلى الحرية.
يكفي أن نرجع سنوات قليلة إلى الوراء لنستذكر باب حطة الذي دخل منه ثلاثة من المحمدين الجبارين عام 2017 وسطروا بدمائهم لوحة مجد وعز، وعلى إثرها وضع الاحتلال البوابات الإلكترونية على جميع أبواب المسجد الأقصى المبارك ليتحكم في الداخلين والخارجين، وليحكم سيطرته على المسجد الأقصى بالكامل، فكانت ردة الفعل المقدسية اعتصاما عند باب الأسباط، اعتصاما استمر أياما طويلة وكلنا رأى في تلك الأيام لوحة من لوحات العز والثبات والرباط والوحدة والإصرار على نيل الحق حتى أجبرت حكومة الاحتلال على التراجع عن قرارها، وخلعت البوابات الإلكترونية مرغمة تحت الصمود المقدسي الذي تغذيه عقيدة الإيمان، وكانت لحظة الدخول للأقصى من باب حطة إيذانا بنصر بدأت تلوح راياته من بعيد في الأفق.
بعد عامين من لوحة الانتصار التي خطها أصحاب الحق عند باب حطة وباب الأسباط كانت حكاية باب الرحمة الذي أغلقه الاحتلال ليبقي المنطقة الشرقية من القدس منطقة فارغة مهملة لا صلاة فيها ولا رباط ولا قرآن؛ فيتسنى له بسهولة أن ينفذ فيها مشروع التقسيم المكاني للأقصى، وحين أمعن الاحتلال في مكره، فوضع مزيدا من الأقفال عند باب الرحمة، ارتد مكره عليه فكان تدمير مكره في تدبيره فنهض مبادر جريء إلى تلك الأقفال ليكسرها وانضم إليه عشرات فكانت مواجهات واعتصامات وصولات وجولات عند باب الرحمة إلى أن أعيد افتتاحه وعاد مصلى ومعتكفا ومدرسة كما كان، فكان افتتاحه نصرا جديدا وكان صخرة جثمت على مشروع التقسيم المكاني للأقصى.
وبعد عامين من اللوحة السابقة يحط طائر الانتصارات المقدسية ليحط عند باب آخر من أبواب المدينة المقدسة؛ ففي عام 2021 يحط طائرنا عند باب العمود هناك حيث عرف العالم بشاعة الاحتلال المجرم وعرف مع ذلك ثبات أصحاب الحق على حقهم وانتهت أحداث باب العمود بمعركة كبرى من المعارك التي خطها الشعب الفلسطيني المسلم، فتوحدت القدس مع غزة مع الداخل والضفة، فكانت جولة من أعظم جولات الانتصار على إجرام الاحتلال ابتدأت من باب العمود وانتشر جناحها وظلها على فلسطين كلها.
سيظل طائر النصر ينتقل بين أبواب الأقصى يرسم لنا عند كل منها لوحة من لوحات الانتصار إلى أن يأتي أوان النصر الأكبر، وإن العين لترنو إلى باب القطانين ذلك الباب الذي يرمز بمقرنصاته ومعشقاته إلى النصر الأكبر، فقد حرص المهندس المسلم على ترصيع هذا الباب بحجارة المقرنصات وجعل تلك المقرنصات على شكل خوذة الجندي، ويكأنه يقول لنا: إن أبواب الانتصار لا تفتح إلا بأصحاب الحديد الذين يلبسون الخوذة على رؤوسهم ويحملون الحديد في أيديهم، فإن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن الأقصى من غير الحديد مذبوح من الوريد إلى الوريد، ولا يخفى على الناظر إلى باب القطانين كيف أنه الباب الوحيد من أبواب الأقصى الذي ترسم حجارته شروق شمس الحرية بالحجارة المعشقة باللون الأحمر والأسود تحت خوذ الحديد المنحوتة في المقرنصات.
هذه أبواب المسجد الأقصى تحت كل منها قصة تحد وثبات وانتصار من حطة إلى الأسباط إلى الرحمة إلى باب العمود في البلدة القديمة، نسأل الله أن نكون عما قريب ممن يدخلون الأقصى فاتحين مكبرين من تحت باب القطانين أعلى أبواب الأقصى وأشمخها وما ذلك على الله بعزيز.
تصنيفات : قضايا و مقالات