ابن قدامة المقدسي
يونيو 22, 2022
للمشاركة :

بسم الله الرحمن الرحيم

عبد الله  بن أحمد بن قدامة المقدسي

اسمه ونسبه: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام المقدسي، ينحدر من سلالة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب([1]).

مولده ونشأته: ولد في شعبان سنة (541 ه)، بقرية “جَمّاعيل”، ويطلق عليها اليوم “جَمّاعين”، وتقع إلى الجنوب الغربي لمدينة نابلس، وتبعد عنها 16 كيلومتر([2]).

نشأ الإمام الموفق في جَمّاعيل، في بيت علم ودين، فوالده الشيخ أحمد ( ت 558ه) كان خطيب جَمّاعيل، سافر طلباً للعلم، سمع صحيح مسلم من رزين العبدري (ت 535 ه) وحّدث به، وكان يعلّم الناس القرآن الكريم والحديث، والفقه على المذهب الحنبلي([3]).

وأخوه الشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 607 ه)، حفظ القرآن بقراءة أبي عمرو بن العلاء(ت 154 ه)، وحفظ مختصر الخرقي في الفقه الحنبلي، وقرأ النحو والحديث بمصر والشام، وأخذ عنه خلق كثير([4]).

وعندما بلغ الإمام الموفق العاشرة من عمره، هاجر مع أهله إلى دمشق، فراراً من ظلم الصليبيين وقهرهم، لأنهم أرادوا قتل والده الشيخ أحمد بن قدامة الذي كان يحرض الناس بعدم الرضوخ للصليبيين ورفض العمل عندهم([5])، وهناك أنشأوا ما عرف بعد ذلك بالصالحية على سفح جبل قاسيون([6]).

طلبه للعلم: ااعتنى أهل الإمام الموفق به صغيراً، فتلا القرآن الكريم وحفظه، وحفظ مختصر الخرقي، وتلقى العلم في القرآن والحديث والفقه والنحو عن والده وأخيه، ثم طلب العلم على علماء دمشق كأبي المكارم عبد الواحد بن هلال (ت 565 ه)، وأبي المعالي أسعد بن المنجى  (ت 606ه) ([7]).

وارتحل إلى بغداد ثلاث مرات طلباً للعلم فقرأ على الشيخ عبد القادر الجيلاني (ت 561ه) مختصر الخرقي، وأخذ عن ابن الجوزي (ت 597 ه)، وابن البطّي (ت 564ه)، وابن المني (ت583ه)، وشُهدة بنت الفرج الدينوري (ت 574 ه)، وغيرهم الكثير([8])، وفي مكة سمع من إمام الحنابلة ابن الطباخ (ت 575ه)، وفي الموصل من أبي الفضل الطوسي (ت 578 ه)([9]).

مكانته العلمية: قال عنه الإمام الذهبي (ت 748 ه): ” كان إماماً مفتياً، مصنفاً ذا فنون، بحراً لا ينزف، انتهت إليه معرفة مذهب الإمام أحمد، ولم يكن في وقته أحد أعلم منه ولا أفقه منه في سائر المذاهب”([10])، ويلخص الضياء المقدسي (ت 643 ه) مكانته العلمية وتخصصه بقوله: “وكان إماماً في القرآن وتفسيره، إماماً في علم الحديث ومشكلاته، إماماً في الفقه، بل أوحد زمانه فيه، إماماً في علم الخلاف، أوحد زمانه في الفرائض، إماماً في أصول الفقه، إماماً في النحو، إماماً في الحساب، إماماً في النجوم السيارة والمنازل” ([11]).

مؤلفاته: زادت مؤلفات الإمام الموفق عن الثلاثين، من أبرزها: كتابه “المغني” والذي يعتبر موسوعة الفقه الإسلامي، فذكر فيه في كل مسألة أقوال علماء الصحابة والتابعين، وفقهاء الأمصار، مع ذكر أدلتهم([12])، وله أيضاً الكافي والمقنع، وروضة الناظر، والبرهان في مسألة القرآن، والتبيين في أنساب القرشيين، وغيرها([13]).

تلاميذه: تتلمذ على الإمام الموفق خلق كثير من المقادسة وغيرهم، من أبرزهم: البهاء عبد الرحمن المقدسي، والضياء المقدسي، وعبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي، والمنذري، وأبو شامة المقدسي، وزينب بنت علي الواسطي، وصفية بنت عبد الرحمن الفرّاء.

جهاده: كان الإمام الموفق رغم اشتغاله بالعلم لا ينقطع عن الجهاد، فكان يخرج في جيش صلاح الدين الأيوبي (ت589 ه) لقتال الصليبيين، وحضر معه فتح بيت المقدس وسواحل فلسطين([14])، وقد أصيب بكفّه في فتح بيت المقدس، وشارك في تحرير قلعة صفد([15])، وفي عسقلان([16]).

وفاته: توفي الإمام الموفق يوم السبت، يوم عيد الفطر سنة (620 ه)، ودفن بمقبرة المقادسة في سفح جبل قاسيون([17]).

رحم الله الإمام الموفق وجزاه عن الإسلام والمسلمين أعظم الجزاء.


([1]) ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، 6/256. الحسيني، ذيل تذكرة الحفاظ، 196.

([2]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/105.

([3]) الصفدي، الوافي بالوفيات، 8/55. ابن طولون، القلائد الجوهرية، 1/68.

([4]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/40. الذهبي، تاريخ الإسلام، 43/ 267.

([5]) ابن طولون، القلائد الجوهرية، 1/68.

([6]) ابن طولون، القلائد الجوهرية، 1/81.

([7]) الذهبي، تاريخ الإسلام، 43/267. ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/105.

([8]) ابن مفلح، المقصد الأرشد، 2/16. الذهبي، سير أعلام النبلاء، 20/542.

([9]) الذهبي، تاريخ الإسلام، 44/484-485.

([10]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد وذيوله، 15/212.

([11]) الذهبي، تاريخ الإسلام، 44/487.

([12]) ابن قدامة، المغني، المقدمة 1/7، 1/ 16-17.

([13]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/ 109-110.

([14]) ابن كثير، البداية والنهاية، 13/59

([15]) الذهبي، تاريخ الإسلام، 44/ 491-492.

([16]) الحافظ، التنويه والتبيين في سيرة محدث الشام الحافظ ضياء الدين، 56.

([17]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/112.

تصنيفات :