منبر صلاح الدين
سوسن محمد مصاروة
منبر النصر والعزة الكرامة
منبر الكرماء والفضلاء والقادة العلماء والعلماء القادة، أمرَ بصنعه نور الدين زنكي سنة 1168م/ 564هـ ليضعه في المسجد الأقصى، وأرض المسجد الأقصى وبلاد المسلمين كان يجثم على ثراها في حينه الاحتلال الصليبي، وكأني أرى الناس يسخرون من نور الدين والمهندسين والبُناة وهم يبنون ذاك المنبر العظيم: ” وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ “[هود:38] وكأنّي بنور الدين يقول لهم ” إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ “[هود:38].
هذا البناء كان أملًا استقر في قلب نور الدين لأنه كان موقنًا بالتحرير ودحر الأعداء، كان موقنًا بنصر الله عندما عادت الأمة إلى ربّها وامتلأت القلوب بالإيمان وتحررت النفوس من قبضة الشيطان وعرفت البوصلة، البوصلة نحو بيت المقدس .
كان بناء المنبر عجيبة من العجائب، 3568 قطعة خشب لم يدقّ فيها مسمار، عليه نقوش وكتابات قرآنية وتاريخيّة، أتدرون لماذا؟
لأن نور الدين أراد المنبر بصناعتِه العجيبة تلك أن يمثّل الأمّة بجسدها الواحد، بتواصلها وتعاونها واهتمامها، وشدّ أزر بعضها لبعض، دون تدخل من جسم غريب سواء كان قريبًا أم غريبًا.
بُني في سنتين، وبقي المنبر ينتظر 20 عامًا، توُفي نور الدين في هذه الفترة، ولمّا يسّر الله لصلاح الدّين فتح بيت المقدس قام بنقله من حلب سنة 1187م ونصبه على يمين المحراب الأوسط في المصلى القبلي في الأقصى المُبارك.
ومن اللطائف أنّ محيي الدين بن زكي الدين كان قد هنّأ صلاح الدين بعد فتحه لقلعة حلب بفتح بيت المقدس قبل فتحه بسبع سنوات، وقال له في قصيدة:
وفتحكم حلب الشهباء في صفر مبشِّر بفتح القدس في رجب
وفُتحت القدس في 27 رجب سنة 583هـ ، وأقيمت صلاة الجمعة في 4 شعبان، وكان خطيب الجمعة محيي الدين بن زكي الدين صاحب البشرى، الذي اعتلى المنبر وافتتح خطبته بقوله تعالى: ” فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” [الأنعام: 45]
على هذا المنبر خطب العلماء والزعماء والقادة على مدار التاريخ. وظلَّت لهذا المنبر مكانته الجمالية والعلمية والوعظية حتى كان الاحتلال لبيت المقدس والمسجد الأقصى عام 1967، وكان أن أُضرمت النيران في المنبر في 21/8 من العام 1969م، وأُحرق بالكامل ولم يبقَ منه إلا الرماد وبقايا خشب محترقة يكللها السواد.
كان للمنبر رسالته في إحياء الأمّة للجهاد على مدار السنين، وفي ساحاته التقى العلماء والأمراء والقادة للجهاد والإعداد المادي والمعنوي لأمة الإسلام.
كانت رسالة المنبر لتستعاد روح الأمة وإيمانها وقيَمها وأخلاقها، وحُسن توكلها على ربها وزهدها بمتاع الدنيا وشهواتها.
وهذا ما ننتظره اليوم، عودة للدين والأخلاق والعزة والكرامة، وبانتظار النصر بإذن الله
تصنيفات : قضايا و مقالات