الفكر الإلحادي…لماذا الشباب؟ وكيف تكون المواجهة؟
الحمد لله الخالق المدبر المعبود منّ علينا بفضله وعظيم رحمته بنبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
لا يقترن وجود الفكر الإلحادي بعصر دون عصر، ولكنه يخبو طورا، وينتعش أطوار، وتتجدد وسائله وأساليبه، وتتنوع من بيئة لأخرى، ومن زمن لآخر؛ ذلك أنّ إنكار وجود خالق للكون، لم يعد قضية فكرية فردية، تعرض لأشخاص، فتستقر في نفوسهم أو تزول، بل هو اتجاه فكري عقائدي له مؤسساته، ومنظماته، وأنظمته الداعمة.
كما أن الإلحاد وجوه وألوان، فمن ملحد ينكر وجود الله تعالى، إلى آخر يقر بوجود خالق -مظهرا- ويشكك في كمال هذا الخالق، ليصفه بصفات السلبية ما ينزع حبه من قلوب من يؤمن به، إلى آخر ينحو منحى العدائية في نبذ الفكر الديني.
ويمثل الشباب ميدانا رحيبا، وخصبا للفكر الإلحادي، وغيره من الأفكار، وبالنظر إلى هذا الاهتمام بهذه الشريحة فقد آثرنا أن نجيب سؤالين: الأول- لماذا الشباب؟ والثاني- كيف نواجه هذا الفكر؟
ففي الإجابة على السؤال الأول تبرز لنا أسباب لها وجاهة عند كل صاحب فكر، ونظر، منها:
الأول: الطبيعة الاجتماعية: فمرحلة الشباب ذات ميول اجتماعية تدفعهم إلى الانتماء لمجموعة اجتماعية تعطيهم، ويعطونها، وهم في ذلك يميلون إلى عمق التواصل، ما يجعل تأثيرهم في بيئاتهم تأثيرا واضحا، وبمثل هذا ينطلق أصحاب الفكر ليكون فكرهم في متناول الشرائح الاجتماعية على أوسع إطار.
الثاني:القيادة، والريادة: يميل الشباب إلى أن تكون لهم القيادة، والريادة في مجتمعاتهم، بمعنى أن يكون لهم الصدارة والسبق، فيما يتبنونه، ويقتنعون به، ما يجعلهم يسعون لتحقيقه بفعالية، ونشاط، ويجدون متنفسا لأن يكونوا كذلك في منظمات الفكر الإلحادي.
الثالث: الرغبة، والهوى: وبما أن الفكر الإلحادي فكر منفلت من قيود الدين والقيم الفاضلة، فإن الرغبات المنغرسة في نفوس الشباب تمثل ميدانا خصبا للاستثمار، فمع ترسيخ القناعة، ولو شكلا، بعدم وجود إله، فلا ضابط لإشباع هوى النفس، ورغباتها، وقد اعتاد المنظرون أن يعرضوا ذلك تحت مسميات الحرية الشخصية، ومتعة الحياة، وغير ذلك من المسميات، التي تزين للشباب الانعتاق من قيود الممنوع، والمحظور.
الرابع: حب التغيير: يتمتع الشباب بالمجمل بعزيمة صلبة، وحيوية، وطاقة إنسانية تتميز بالحماسة، والحساسية، والجرأة والاستقلالية واستعداد لتقبل التغيير، ويتمتعون بالقدرة على الاستجابة للمتغيرات من حولهم، والسرعة في استيعاب وتقبل الجديد المستحدث وتبنيه والدفاع عنه، وهذه السمات تعكس قناعة الشباب ورغبته في تغيير الواقع الذي وجد فيه وإن لم يشارك في صنعه.
الخامس: الواقع المعاش: الشباب –عادة- لا يقبلون بالضغط والقهر، بصرف النظر عن الجهة التي تمارسه، سواء أكانت سلطة حاكمة، أو أسرة، أو فرد، أو جماعة، وهذا السلوك جزء من العنفوان الداخلي للشباب، فإذا وضعنا بعين الاعتبار أن بعض مراحل الشباب قد يصحبها حالة اضطراب، وضعف اتزان في الشخصية، وارتفاع مستوى التوتر، ما ينعكس إلى اختلال في العلاقات الاجتماعية مع الأسرة، وبعض دوائر البيئة القريبة، فيجدون لأنفسهم متنفسا، وفرصة مع من ينظرون للحرية وانطلاق العقل.
السادس: الفضول، وحب الاستطلاع: يكثر الشباب من السؤال، والاستفسار في محاولة لإدراك ما يدور حولهم، والإلمام بأكبر قدر من المعرفة المكتسبة مجتمعياً، فيدفعهم فضولهم، وحب الاستطلاع للاستماع، والأخذ مما يطرح عليهم، لا سيما إذا لم يكن عندهم النضوج، والوعي والتحصين الذي يؤهلهم للتمييز، بين الرديء والجيد.
السابع: المثالية: فالشاب وهو يفكر في خياراته المستقبلية، يكون أقرب إلى المثالية منه إلى الواقعية، فينطلق في نظرته للواقع، ونقده ومحاولة تغييره، من قاعدة أن الواقع ينبغي أن يطابق تفكيره المثالي، ويستثمر أصحاب الفكر الإلحادي في ذلك، إذ يشعرون المخاطبين من الشباب بأنهم يتحدثون بمنطق العلم، والعقل، وتغيير الواقع بما ينسجم مع ذلك.
الثامن: ضعف الوعي، بل وانعدامه أحيانا: وتحت قاعدة فاقد الشيء لا يعطيه، فإن انصراف كثير من الشباب عن الاهتمام بأنفسهم في تنمية المعرفة، والوعي الفكري، والثقافي، فإنهم يصلون إلى حالة الانبهار بما يعرض لهم، لا لأنه الأمثل، ولكن لأنها الصورة التي سبقت إلى عقولهم، عبر نافذة ما يسمى بالتنوير، والوعي، فتجدهم يسلمون لأفكار، ويرفضون أخرى، لأنهم ما عرفوا حقيقتها، ولا عرفوا عنها إلا من خلال المنظرين، والذي يعمدون إلى نقل فكر غيرهم بصورة مشوهة مضللة.
كيف نواجه الإلحاد؟
كما ذكرنا في بداية المقال، فإن المسألة لم تعد فردية، مع أهمية الجانب الفردي في مواجهة الفكر الإلحادي، بل لا بد من النظر إلى الموضوع بصورة أكثر شمولية، ودقة، والذي أراه أن المواجهة ترتكز إلى:
أولا: التحصين: وينبغي أن يتركز التحصين في جانبين، أولهما عقائدي، يتمثل في ترسيخ حقائق الإيمان في النفوس، وتعزيزها وفق المنهج العلمي الذي أرسى قواعده القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ومنهج أهل العلم في الاستدلال.
وثانيهما، الفكري، والمعرفي، بتشجيع المطالعة، والإقبال على أهل العلم، والتربية، والاطلاع على ما خلفه أهل العلم من محاججات ومناظرات للملاحدة.
ثانيا: مأسسة العمل: بتأسيس جمعيات، ومنتديات، ومنظمات ثقافية متخصصة لدراسة الفكر الإلحادي، ومواكبة وسائلهم المتجددة، وشبهاتهم المتنوعة، وتخصيص طواقم عمل للرد عليها.
ثالثا: النقد، والمواجهة: فلا ينبغي للمسلم أن يتمترس خلف متاريس الدفاع عن الإسلام وعقيدته، بل لا بد من المبادرة بالهجوم على الفكر الإلحادي، وكشف زيفه، وعوراته، ونقد مناهجه، ووسائله، وأدواته.
رابعا: استقطاب المؤسسة الرسمية في الدول الإسلامية: ففي الوقت الذي نجد فيه حكومات، وأنظمة ودولا تتبنى الفكر الإلحادي، وتدعم منظريه، لا نجد ذلك في عالمنا العربي، والإسلامي إلا في إطار محدود جدا، وفي الغالب لا يكون مباشرا، وسعينا لتحقيق ذلك واجب من واجباتنا في حماية ديننا من عبث العابثين.
خامسا: الإعلام: ولا أقصد بذلك وسائله المشهورة فحسب، بل مفهومه الأوسع الذي يشمل المشهور من فضائيات، وسمعيات، إلى المقروءات من كتب وصحف ومجلات، مع الاكثار من الندوات والمؤتمرات التي تواجه مثل هذه الظاهرة الفكرية الإلحادية التي تحاول الانتعاش بين الحين والآخر.
ويبقى الإيمان الراسخ في قلب المؤمن حصنه الحصين في الثبات، وزاده في استكمال المسير، ومواجهة كل عسير.
والحمد لله رب العالمين
تصنيفات : قضايا و مقالات