فضل العشر من ذي الحجة، د . محمد يوسف العيسة
يوليو 13, 2022
للمشاركة :

فضل العشر من ذي الحجة

كتبه د. محمد يوسف العيسة – المحاضر في كلية العلوم والدراسات الإسلامية- قلقيلية

الحمد لله حمداً نذوق به لذيذ حبه، ونحظى بنعيم قربه وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه…

بين الحين والحين تظللُ الناسَ سحابةٌ موسميةٌ عظيمةٌ، تغيثهم خيراً بلا حساب ولا عد، تُمحا بها السيئات وتُغفر بها الزلات وتُرفع بها الدرجات وتُمتلأ الصحائف بالحسنات والكَيّس الفطن من تعرض لسحابة المغفرة وأصاب من غيثها…

فها نحن تهل علينا العشر الليالي، البيض العوالي، خير أيام الدنيا فإن كانت الأمة تقاصرت أعمارها عمن سبقها من الأمم فإن الله أبدلها البركة فشّرف المكان والزمان كما مكة والمدينة وبيت المقدس ومن الزمان رمضان ولياليه وليلة القدر، ومن البشر الأنبياء ومنهم أولو العزم وفُضِّلَ عليهم جميعاً محمد صلى الله عليه وسلم، أيام العشر من ذي الحجة خير أيام الدنيا تأتي في أواخر العام الهجري ليقف المرء مع نفسه وقفة التائب، وفضل هذه الأيام العظيمة ثابت في القرآن والسنة ومن ذلك لا للحصر:

أولاً: أقسم الله تعالى بها فقال:” وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)” [الفجر 1-3] فالليالي العشر هي عشر ذي الحجة والشفع هو الأضحى اليوم العاشر والوتر هو اليوم التاسع وهو يوم عرفة على ما ذكره ابن كثير في تفسيره وتجتمع فيها أمهات العبادات من ذكر ودعاء وصلاة وصيام نحر وحج ورباط في بيت المقدس وأكنافه.

 ثانياً: أنها من جملة الأربعين يوماً التي واعد الله فيها موسى عليه السلام قال تعالى: “وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً” [الأعراف: 142] على خلاف في موضعها أي عشر كانت، وقال ابن عباس أنها العشر الأخيرة وكانت العشر الأولى من ذي الحجة (تنوير المقباس في تفسير ابن عباس ص137)، فإن كان لموسى الكليم عليه السلام موعد مع الله فاضرب لك موعدا معه سبحانه تتوب إليه تناجيه وتدعوه، تذكره فيذكرك، وأي موعد خير من هذه الأيام فالهمة الهمة.

 ثالثاً:لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ” [الحج: 28] والأيام المعلومات أيام العشر من ذي الحجة أيام الركن الخامس وهو الحج فهي أيام الذكر والدعاء والقربات (تفسير ابن كثير ج8- ص382). فإن لم تكن مع الملبيين فكن من الذاكرين وإن لم تكن مع الطائفين فكن مع الساجدين وإن لم تكن من الساعين فكن من المضحيين.

رابعاً: أيام العمل الصالح فيُضاعف اللهُ فيهن أجر الأعمال الصالحة، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» (أخرجه الترمذي رقم (757) وقال حسن صحيح) فأجور الأعمال مضاعفة لأنَّ الزمان محببٌ إلى الله حتى وصل الحال أنَّ سائر العبادات والقربات مفضلة على الجهاد في غير العشر إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء.

خامساً: أنَّ فيها يوم عرفة وقد أقسم الله تعالى به فقال:” وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ” [البروج: 2-3] ،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( الشاهد يوم عرفة واليوم الموعود يوم القيامة) (أخرجه أحمد في المسند ج13- ص351- 7972).

** وهو من الأيام الفاضلة عند الله فيه تنزل الرحمات ويباهي الله بأهل الموقف أهل السماء وينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ” (مسلم ج2/ ص 982/ رقم1348)

**وفيه يصاب إبليس بالصغار والغيظ ولذلك خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سنن الترمذي (ج5/ ص 572/ رقم3585)

** وإن في يوم عرفة إكمال الدين وتمام النعمة، فعن طارق بن شهاب، ((قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا، فقال عمر: ” إني لأعلم حيث أنزلت، وأين أنزلت، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت: يوم عرفة وإنا والله بعرفة – قال سفيان: وأشك – كان يوم الجمعة أم لا ” {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3])) البخاري، ج5/ص50/ رقم4606

** وفي صيام يوم عرفة تكفير لسنتين ماضية وباقية عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل … قال: وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية» (رواه مسلم، ج2/ ص 819 رقم 1162).

فإن لم تكن واقفاً بعرفة فلتكن صائماً وإن لم تكن ملبياً كن ذاكراً، وإياك أن تكون ممن أدبر وأستكبر، فهنيئاً لمن اختار الخير بنواحيها وأطرافها وكان ديدنه الذكر والدعاء والصيام.

نسأله تعالى أن يعيد علينا هذه الأيام وقد تحرر الأقصى والأسرى…

تصنيفات :