أدوات التواصل الاجتماعي.. والأسرة، د . مسعود الكوني
يوليو 13, 2022
للمشاركة :

أدوات التواصل الاجتماعي وأثرها في الأسرة

د. مسعود الكوني

لقد امتنّ الله تعالى على النّاس بأن جعل بينهم علائق تجمعهم، وتحميهم، وتسمو بهم، وتؤهلهم كي يكونوا على قدر تحقيق العبادة التي هي الغاية العظمى من وجودهم، وعلى قدر مسؤولية القيام بعمارة الأرض التي استخلفهم الله فيها . وإنّ من أهمّ هذه العلائق التي جعل الإسلام فيها ترابطا وثيقا وسكنا دافئا: الأسرة، ذلك الحصن الذي يُنظر إليه بإجلال في أيّ مجتمع تسود فيه مبادئ هذا الدّين العظيم.

إنّ هذا الدّين بموروثه الخَصْب من النّصوص الشرعية قد أولى الأسرة اهتماما كبيرا؛ باعتبارها إحدى لبنات المجتمع الأساسيّة؛ التي تجمع في مكوّناتها عناصره من ناحية، وتشكّل الرافع له والرّافد من نواح أخرى.

ويتأكّد التعبير عن هذا الاهتمام البالغ بالأسرة من خلال قول الله تعالى في حقّ نبيّه صلى الله عليه وسلّم -والإرشاد للأمّة من بعده-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]

وقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ … الآية} [التحريم: 6]، وهاتان الآيتان تدعوان الأُسر المسلمة إلى إقامة ما يحبّ الله تعالى -كما في الآية الأولى-، واتّخاذ أسباب الوقاية للبعد عمّا حرّم الله تعالى -كما في الآية الثانية-.

وفي الصحيحَيْن، قال النّبي صلى الله عليه وسلّم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” وذكر فيه الرجلَ والمرأة اللذيْن هما عماد الأسرة ومنهما تكون نُواتها، فقال: “والرَّجلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ وهو مسْؤُولٌ عن رعِيَّتِه، والْمَرْأَةُ في بيْت زَوْجِها راعِيَةٌ وهي مسْؤُولةٌ عن رَعِيَّتها”.

وبنظرة سريعة إلى ما يتهدّد حصن الأسرة في الوقت الحاضر، فإنّا نجد أنّ وسائل التواصل الاجتماعي وأدواته قد تكون في مرحلة من المراحل -خاصّة المرحلة الحاضرة- هي من أشدّ ما يهدّد استمرارية قيام هذا الحصن بدوره وتماسكه؛ وذلك أنّ الأصل في هذه الأدوات أنّها وُجدت لتوثيق التواصل والترابط الاجتماعيّ -كما هو ظاهر من اسمها-، لكنّها تحوّلت مع الاستغراق فيها والغفلة عن مضارّها إلى وسائل للتقاطع والتدابر الاجتماعيين -كما هو الواقع لأسف!-.

بل إنّ ممّا هو مشاهد في بيوت كثير من النّاس اليوم أنّ الأسرة الواحدة قد تجلس بأفرادها كافة وفي مكان واحد -ولعله يكون يوم الإجازة أيضا-، لكنْ بلا تواصلٍ بينهم ولا كلام، والسبب: أنّ كلّا منهم يقضي وقته على هاتفه، مرتادا هذه الوسائل التي أشغلته عن أسرته، وعن توثيق أجمل لحظات اجتماع أفرادها وتواصلهم المباشر فيما بينهم. ويشابه هذا: ما يكون من قبيل التزاور الاجتماعي بين الأسر المتعددة؛ ليطمئن كل منهم على الآخر، فتغدو الزيارة جافّة لا ثمرة حقيقيّة فيها على أرض الواقع؛ لأنّها لم تحقّق هدفها من الدفء والاطمئنان والانسجام، والسبب هو ذاته الذي سبق!.

هذا عدا عمّا تبثّه هذه الوسائل من شبهات وشهوات، فيدخل أحد أفراد الأسرة فيها متحلّيا بالدّين، ويخرج منها بعد تصفّحه لهذه الوسائل بلا دين!. وهذا ليس على سبيل المبالغة، بل سمعنا عنه كثيرا  وشاهدناه!.

ختاما: المطلوب اليوم هو أنْ تعود الأسرة لترميم هذا الحصن، وأنْ يكون أفرادها على مستوى عال من الوعي يؤهلهم للقيام بمهامهم في هذا المجتمع الذي تتعدّد حاجاته وتكثُرُ التحدّيات فيه، وأنْ تكون هذه الوسائل والأدوات الحديثة موصلة إلى الغايات التي يحبّها الله تعالى، وسببا في تحقيق الألفة بين أفراد المجتمع، وفي مقدمتهم بين أفراد الأسرة الواحدة التي نأمل تماسكها ونرجو رقيّها!.

والحمد لله رب العالمين

تصنيفات :