اسمه ونسبه.
علاء الدّين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السّعدي ثم الصّالحي الحنبلي، المرادوي نسبة إلى بلده مردا، والسعدي نسبة إلى قبيلة السعديين إحدى قبائل فلسطين الشمالية، والصالحي نسبة إلى الصالحية في دمشق، والتي بناها المقادسة المهاجرون من فلسطين، والحنبلي نسبة إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل([1]).
مولده ونشأته.
ولد الإمام المرداوي سنة (817 ه) في قرية مردا من قرى فلسطين، وهي موجودة إلى الآن بنفس الاسم، وتقع جنوب غرب مدينة نابلس، وتبعد عنها حوالي 17 كيلو متراً، وهي الآن تتبع محافظة سلفيت.
انتقل في شبابه إلى مدينة الخليل، وأقام بزاوية الشيخ عمر المجرّد، وتعلّم فيها القرآن، ثم انتقل إلى دمشق سنة (838 ه) ونزل بمدرسة الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي (ت 607 ه)، وأقام بها واشتغل بطلب العلم([2]).
طلبه للعلم.
تلقى العلم في بداية حياته في قريته مردا فحفظ القرآن، وأخذ الفقه عن الشهاب أحمد بن يوسف المرداوي (ت 850 ه)، ثم خرج من مردا في شبابه وتوجه إلى الخليل وقرأ القرآن([3])، ثم توجه إلى دمشق سنة (838 ه)، فأخذ الفقه وأصوله والعربية عن التقي ابن قندس البعلي (ت 862 ه)، وعبد الرحمن بن إبراهيم الطرابلسي (ت 866 ه)، وأخذ التفسير وغيره عن عبد الرحمن أبي شعر (ت 844 ه)، وأخذ الحديث عن محدث الشام ابن ناصر الدين (ت 842 ه)، وابن الطحان (ت 845 ه)، وابن عروة (ت 837 ه). وارتحل إلى مكة وأخذ فيها عن أبي القسم النويري (ت 857 ه)، وأبي الفتح المراغي (ت 859 ه)، والبرهان ابن مفلح (ت 884 ه)، وارتحل إلى مصر وأخذ عن العز الكناني (ت 876 ه)، وغيرهم من العلماء والقضاة([4]).
مكانته العلمية.
اشتغل الإمام المرداوي في التدريس والقضاء والإفتاء والتصنيف([5])، فقال عنه تلميذه ابن المبرد: “الشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة،…، الإمام الفقيه الأصولي النحوي الفرضي المحدث المقرئ”([6])، وقال عنه ابن العماد: ” الشيخ الإمام العلّامة المحقّق المفنّن أعجوبة الدّهر، شيخ المذهب وإمامه ومصححه ومنقّحه، بل شيخ الإسلام على الإطلاق ومحرّر العلوم بالاتفاق”([7]).
كان الإمام المرداوي شيخ المذهب الحنبلي في زمانه، وإمامه ومصححه ومنقحه، وإليه انتهت رئاسته، وصار قوله حجة في المذهب، واشتهر وذاع صيته، وتكاثر على بابه طلبة العلم([8]).
فقد تولى التدريس في المدرسة الضيائية([9])، ومدرسة الشيخ أبي عمر ابن قدامة المقدسي([10])، ودرّس في القاهرة بعد عام 867 ه، وأذن له الفقيه أحمد بن يوسف قاضي ومردا ومفتيها بالإفتاء وهو ابن 20 سنة، وأفتى في بلده وبعدها، وصارت فتواه حجة في المذهب وفي سائر بلاد المسلمين([11]).
وأما القضاء فقد تولاه مدة طويلة وباشر فيه نيابة القضاء، وأذن له قاضي القاهرة العز الكناني بالقضاء وفق المذهب الحنبلي في القاهرة، ثم تنزه في آخر عمره عن مباشرة القضاء([12]).
مؤلفاته.
لقد ألف الإمام المرداوي العديد من المؤلفات، والتي تعتبر حتى الآن المرجع للفقهاء والأصوليين وخاصة في المذهب الحنبلي، ومن أبرز مؤلفاته: “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف”، على كتاب “المقنع” للإمام الموفق ابن قدامة (ت 620 ه)، وقد اختصره في كتاب “التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع”، وله كتاب “تحرير المنقول في تهذيب علم الأصول”، وشرحه في كتاب “التحبير شرح التحرير”، وله أيضاً كتاب “تصحيح الفروع” لابن مفلح، و”شرح الآداب” وغيرها من المصنفات([13]).
تلاميذه.
تتلمذ على يد الإمام المرداوي خلق كثير، منهم: قاضي القضاة بدر الدّين السّعدي قاضي الديار المصرية (ت 902 ه)([14])، وقاضي الحرمين المحيوي الحسني الفاسي (ت 895 ه)([15])، وابن المبرد يوسف بن عبد الهادي (ت 909 ه)([16])، وغيرهم جماعة كبيرة من الحنابلة وغيرهم في دمشق ومكة، ومعظم من في مصر من العلماء والفقهاء والقضاة في وقته([17]).
علاقته بفلسطين.
ولد في مردا وهي قرية قريبة من مدينة نابلس بفلسطين، ونشأ بها، وعاش فيها حتى صار شاباً وغادرها عندما كان عمره حوالي 22 عاماً، وعاد إلى فلسطين مدة أثناء توجهه إلى مصر، ومرض في بئر السبع، فتحول إلى صفد وأقام بها مدة، ثم رجع إلى بلده مردا مدة من الزمن، وزار بيت المقدس مراراً([18]).
وفاته.
توفي بصالحية دمشق، ليلة الجمعة 6 جمادى الأولى، سنة (885 ه)، وصُلّي عليه صلاة الظهر، ودفن بسفح جبل قاسيون قرب الروضة([19]).
رحم الله الإمام المرداوي وجزاه خيراً عن الإسلام والمسلمين.
([1]) ابن العماد، شذرات الذهب، 9/510.
([2]) ابن العماد، شذرات الذهب، 9/510. السخاوي، الضوء اللامع، 5/225.
([3]) البردي، تسهيل السابلة، 3/1414.
([4]) السخاوي، الضوء اللامع، 5/225-226. ابن حميد، السحب الوابلة، 2/740-741.
([5]) ابن حميد، السحب الوابلة، 2،741.
([6]) ابن المبرد، الجوهر المنضد، 1/99-100.
([7]) ابن العماد، شدرات الذهب، 9/510.
([8]) ابن العماد، شذرات الذهب، 9/510-511. السخاوي، الضوء اللامع، 5/227. ابن حميد، السحب الوابلة، 2/739-743. البردي، تسهيل السابلة، 3/1414.
([9]) ابن المبرد، الجوهر المنضد، 1/100.
([10]) النعيمي، الدراس في تاريخ المدارس، 2/84. ابن المبرد، الجوهر المنضد، 1/101.
([11]) ابن العماد، شذرات الذهب، 9/511. العليمي، المنهج الأحمد، 5/291.
([12]) ابن العماد، شذرات الذهب، 9/511. ابن المبرد، الجوهر المنضد، 1/101. البردي، تسهيل السابلة، 3/1414.
([13]) ابن العماد، شذرات الذهب، 9/511. ابن المبرد، الجوهر المنضد، 1/100. كحالة، معجم المؤلفين، 7/102.
([14]) البردي، تسهيل السابلة، 3/1414.
([15]) ابن حميد، السحب الوابلة، 2/ 741.
([16]) ابن العماد، شذرات الذهب، 10/62.
([17]) ابن العماد، شذرات الذهب، 9/511. ابن المبرد، الجوهر المنضد، 1/101. البردي، تسهيل السابلة، 3/1415.
([18]) السخاوي، الضوء اللامع، 5/ 227. البردي، تسهيل السابلة، 3/1414.
([19]) السخاوي، الضوء اللامع، 5/227. ابن المبرد، الجوهر المنضد، 1/101. البردي، تسهيل السابلة، 3/1415.
تصنيفات : العلماء القدامى