اسمه ونسبه:
أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر الجمّاعيلي المقدسي، ينحدر من سلالة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب y([1]).
مولده ونشأته:
ولد سنة (528 ه)، بقرية “جَمّاعيل”، ويطلق عليها اليوم “جَمّاعين”، وتقع إلى الجنوب الغربي لمدينة نابلس، وتبعد عنها 16 كيلومتر([2]).
نشأ الشيخ أبو عمر في جَمّاعيل، في بيت علم ودين، فوالده الشيخ أحمد ( ت 558ه) كان خطيب جَمّاعيل، سافر طلباً للعلم، سمع صحيح مسلم من رزين العبدري (ت 535 ه) وحّدث به، وكان يعلّم الناس القرآن الكريم والحديث، والفقه على المذهب الحنبلي([3]).
وأخوه الموفق عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620 ه)، إمام الحنابلة في زمانه، وصاحب التصانيف([4]).
هاجر مع أهله إلى دمشق سنة (551 ه)، وكان عمره ثلاث وعشرين سنة، وذلك فراراً من ظلم الصليبيين وقهرهم، بعد استيلائهم على أرض فلسطين، وكان الحاكم الصليبي واسمه (باليان) يريد قتل والده الشيخ أحمد بن قدامة لأنه كان يحرض الناس على عدم الرضوخ للصليبيين ورفض العمل عندهم([5])، فنزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي على أطراف دمشق حينها، وأقاموا فيه سنتين ثم انتقلوا إلى سفح جبل قاسيون وهناك أنشأوا ما عُرف فيما بعد بالصالحية([6]).
طلبه للعلم:
حفظ القرآن بقراءة أبي عمرو بن العلاء(ت 154 ه)، وحفظ مختصر الخرقي في الفقه الحنبلي، أخذ الحديث والفقه من والده، وفي دمشق من أبي المكارم بن هلال (ت 565 ه)، وأبي تميم الرحبي ( ت 569 ه)، وأبي المعالي بن صابر ( ت 576 ه)، وغيرهم يطول ذكرهم.
وارتحل إلى مصر طلباً للعلم، وقرأ النحو والحديث على أبي المفاخر المأموني (ت 576 ه)، وأبي محمد بن البرّي النحوي ( ت 582 ه)، وإسماعيل بن قاسم الزيّات (ت 579 ه) وغيرهم([7]).
تلاميذه:
أخذ عنه الحديث والفقه جماعة، منهم: أخوه الموفق، وابنه عبد الرحمن (ت 682 ه)، والضياء المقدسي ( ت 643 ه)، والمنذري ( ت 656 ه)([8]).
كما أن من ذريته قد خرج الكثير من العلماء والمحدثين، أمثال ولديه قاضي القضاة الشمس عبد الرحمن وشرف الدين عبد الله خطيب وإمام جامع الحنابلة، وقاضي القضاة سليمان بن حمزة (ت 715 ه)، وغيرهم الكثير.
مكانته العلمية:
كان الشيخ أبو عمر عالماً في الحديث، وقد خرّج له الحافظ عبد الغني المقدسي (ت600ه) أربعين حديثاً من مروياته، وكان أيضاً عالماً بالفقه والفرائض والنحو، مع الزهد والعمل([9])، ولكنه لم يتفرغ للتصنيف والتأليف، ورغم ذلك فإن أعمال الشيخ أبو عمر في خدمة العلوم الإسلامية كانت أعظم من التأليف والتصنيف، فقد قام الشيخ أبو عمر بإقامة مؤسستين كان لهما دور كبير في خدمة العلوم الشرعية، وخاصة القرآن والحديث والفقه، وهاتان المؤسستان هما:
1- المدرسة العمرية الشيخية: والتي بناها وأوقفها على القرآن والفقه، وكان يتعلم فيها أول الأمر أبناء المقادسة المهاجرين([10])، ثم تطورت وصار يرتادها طلبة العلم من كافة أنحاء بلاد المسلمين([11])، وكانت هي السبب الأبرز في ظهور هذا العدد الكبير من العلماء المقادسة.
2- جامع الحنابلة (الجامع المظفري): وابتدأ بناؤه سنة (598 ه) في الصالحية، وكان الشيخ أبو عمر أول خطيب له([12])، ثم صار هذا المسجد مدرسة يأتيه العلماء للتدريس فيه، ويرتاده الطلبة ليدرسوا فيه من شتى أنحاء البلاد، وخاصة في علوم الحديث الشريف([13]).
جهاده:
كان الشيخ أبو عمر رغم انشغاله ورعايته للمهاجرين من أهل فلسطين إلى الصالحية، إلا أنه كان يخرج للجهاد، وقلما يتخلف عن غزاة، وقد شارك في جيش صلاح الدين الأيوبي (ت589ه) لمّا حاصر الصليبيين في بيت المقدس([14])، وحضر فتح بيت المقدس وعسقلان، وغيرها([15]).
وفاته:
توفي الشيخ أبو عمر رحمه الله يوم الاثنين، الثامن عشر من ربيع الأول سنة (607 ه)، ودفن بسفح جبل قاسيون إلى جانب والده([16]).
رحم الله الشيخ أبا عمر المقدسي وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
([1]) ابن فهد، معجم الشيوخ، 51. الحسيني، ذيل تذكرة الحفاظ، 196.
([2]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/40.
([3]) الصفدي، الوافي بالوفيات، 8/55. ابن طولون، القلائد الجوهرية، 1/68.
([4]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/105-110.
([5]) ابن طولون، القلائد الجوهرية، 1/68.
([6]) ابن طولون، القلائد الجوهرية، 1/81.
([7]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/40. الذهبي، تاريخ الإسلام، 43/ 267.
([8]) الذهبي، تاريخ الإسلام، 43/267. ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/40.
([9]) ابن رجب، الذيل على طبقات الحنابلة، 2/40.
([10]) الذهبي، تاريخ الإسلام، 43/278. النعيمي، الدراس في تاريخ المدارس، 2/78.
([11]) ابن طولون، القلائد الجوهرية، 1/ 248. مصطفى، مدينة للعلم.. آل قدامة والصالحية، 85.
([12]) أبو شامة، الذيل على الروضتين، 45. النعيمي، الدارس في تاريخ المداس، 2/335.
([13]) الحافظ، جامع الحنابلة، 157 وما بعدها.
([14]) الذهبي، تاريخ الإسلام، 43/269- 270.
([15]) الحافظ، التنويه والتبيين في سيرة محدث الشام الحافظ ضياء الدين، 56- 57.
([16]) ابن العماد، شذرات الذهب، 7/56. ابن مفلح، المقصد الأرشد، 2/350.
تصنيفات : العلماء القدامى