الشيخ عمار مناع داعية إسلامي متخصص في الشؤون الأسرية والشبابية
إن ظاهرة القتل هي من أخطر ما يمكن أن يواجهه أي مجتمع، فعندما يفقد أمنه لا يطيب فيه عيش، ويضطرب ويعشعش في جنباته الخوف، وتلك عقوبة جعلها الله لكل من تنكب الطريق وابتعد عن شرعه (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [ النحل: 112]. ومن هنا حارب الإسلام هذه الجريمة بكل قوة، فكان القصاص موت للقاتل وحياة للمجتمع، وفي الآخرة توعد الله -تعالى- القاتل بالغضب واللعن والعذاب العظيم، فقد قال سبحانه: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93] وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا”[البخاري]. بل لَزَوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ مِنْ قتلِ مؤمِنٍ بغيرِ حقٍّ(1)، كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام. ونحن لا ننكر أن للاحتلال دورا لا يمكن إغفاله، لكن لا ينبغي أن يكون الشماعة التي نعلق عليها تقصيرنا، فلو لم نكن بيئة خصبة لما استطاع أن يمرر مخططاته، فنحن بأيدينا نهدم بيوتنا، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. ولا شك أن هناك أسباباً قادت إلى هذه النتائج، ومدخلاتٍ أفرزت هذه المخرجات، ومن أهمها: ١- غياب دور المحاضن التربوية لسبب أو لآخر، فأين دور الآباء والأمهات؟ وأين دور المدارس والجامعات؟ وأين دور المساجد؟!! فثقافة القتل أصبحت سائدة، ولم تعد للأرواح قيمة، تجرأنا على سفك الدماء بغير حق ولأتفه الأسباب، وما هذا إلا لغياب الوعي، دون أن نجد أي دور حقيقي للبيت والمدرسة والمسجد، ولا خطط حقيقية لرفع قيمة الروح الإنسانية وتجريم الاعتداء عليها. 2- حالة التجييش والمحسوبيات التي نراها، عائليا ومناطقيا وحزبيا، ونرى من يسارع ليجمع حوله مؤيدين، ليصبحوا (زلمه)، يستخدمهم عند الحاجة، ويكونون يده التي يضرب بها، أضف إلى ذلك انتشار سلاح طخيخة الأعراس والحفلات، والسؤال أين دور الأمن في ضبط هذا التجاوزات التي أصبحت تشكل مصدر قلق وإزعاج يكتوي بنارها الجميع؟ ٣- الصلح العشائري عندما يكون في اتجاه خاطئ، وهنا لا نقلل من أهميته، حيث إن جهوده لا تنكر في حقن الدماء وعدم الثأر والانتقام من الأبرياء لمجرد كونهم من عائلة القاتل، لكن في المقابل يجب ألا يكون دور لجان الإصلاح تبرئة المجرم أو الضغط للعفو عنه، حتى أصبح مفهوم الناس (اضرب وغمق الجرح وآخرها للصلح)، كما أن سياسة (راسمالها فنجان قهوة) خربت البلاد وأهلكت العباد. ٤- غياب القانون الرادع والعادل، والمتمثل في قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة، 179]، أضف إلى ذلك طول أمد التقاضي الذي تعاني منه محاكمنا، والمحسوبيات والواسطات لتبرئة القتلة أحيانا، كل ذلك أدى إلى زعزعة الثقة بمنظومة القضاء، فعندما يشعر أهل القتيل أن القانون لن يشفي غليلهم، ولن يأخذ حقهم، سيحاولون فعل ذلك بأيديهم، ولو شعر القاتل أنه سيعدم قصاصا بقوة القانون لما تجرأ على فعلته، وللجأ الناس إلى القانون. ٥- ما يعرض على وسائل الإعلام والسوشال ميديا من تشجيع على العنف، والرفع من قيمة العنف، وربط الرجولة بالقتل والسلخ وجعل السفاح قدوة. إن الموضوع جد خطير لدرجة أنه أصبح مفزعا، فقد يكون القتيل في المرة القادمة ابني أو ابنك، ويخشى أن تدور عجلة الثارات وتكبر كرة القتل المتدحرجة، وعندها ينطبق علينا الحديث: «والذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يدري القاتلُ في أيِّ شيء قَتَل، ولا يدري المقتولُ على أيِّ شيء قُتِل» [صحيح مسلم].
——————-
(1) رواه الترمذي والبيهقي وغيرهما، وحسنه عدد من العلماء.
تصنيفات : قضايا و مقالات