صناعة المعرفة تجاه بيت المقدس
بقلم طارق عبد الفتاح الجعبري – محاضر في جامعة الخليل
ما تزال فلسطين وقضيتها تنبض بالحياة ما بقي قلبها بيت المقدس حاضرا يخفق في قلوب المسلمين إلى يوم الدين، التاريخ يجلّي هذه الحقيقة واليقين بوعد الله يجعلها واقعا ومستقبلا قادما لا محالة، وقد شاءت الأقدار أن تكون هذه البلاد مهوى أفئدة المؤمنين ومطمع الطامعين منذ بدء البشر وسيكون كذلك حتى نهايتهم، ورغم قداسة المكان إلا أن ذلك لم يشفع لهذه الأرض وأهلها بالأمان لمحطات طويلة ومتعاقبة بفعل أطماع الإنسان أو تعصبه وجهله، وقد تكون هذه الأيام على بيت المقدس هي الأصعب والأمرّ لما يمثله الاحتلال من وظيفة استعمارية برعاية عالمية وتواطؤ عربي، إلا أن شعاع الأمل يتسرب من بين غيوم التآمر وضبابه، ويبدو الليل ينجلي بفعل شموع تتعاظم لم تكن بحسبان الكثيرين أو اعتبارهم، تعاقب نور الحق على ليل الظلم لا مراء فيه كتعاقب الليل على النهار، سوى أن شموس الحق رجال بفعلهم وإيمانهم يجلون ويطردون ليل الظلم، ومن هذه الشموس ذات النور والعلم المشروع المعرفي لبيت المقدس، الذي ولد في قلب رجل فلسطيني فاعتنى به ورواه بالعلم والإصرار إلى أن أصبح مشروعا معرفيا يضيء سراج عقول العرب والمسلمين بزيت العلم وزيتون المعرفة.
إن لتجربة المشروع المعرفي لبيت المقدس أثرا بدا واضحا وجليا بأنه خطّ طريقا معرفيا لا غنى عنه منطلقا بشعار المعرفة تقود التغيير والتحرير، فقد انطلقت رحلة البروفيسور عبد الفتاح العويسي من مصاطب العلم في المسجد الأقصى 1990 و1992، التي قام بها مع طلبته من كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة القدس، وأنتجوا موسوعة مصورة تحت اسم “كنوز الأقصى”، ثم كانت الانطلاقة الأولى وتأسيس المشروع من لندن عام 1994، ويذكر أن الدكتور العويسي كان محاضرا في عدة جامعات في فلسطين ومشاركا في تأسيس رابطة علماء فلسطين، ومن ثم مبعدا إلى مرج الزهور (لبنان 1992 ) ثم انتقل بعدها إلى بريطانيا وقام بتأسيس مجمع دراسات بيت المقدس (إسراء) وخلال العشرين عاماً الماضية (1994-2014)، كان عمل جميع القائمين في المشروع عملا تطوعيا، ومن ثم بدأت الانطلاقة الثانية للمشروع المعرفي لبيت المقدس (2014 – 2024) يقودها المتخصصون الشباب من حملة الدبلوم والماجستير والدكتوراة في “دراسات بيت المقدس” وتتوالى الفتوحات المعرفية اليوم في تركيا وشرق آسيا من خلال الاتفاقيات مع الجامعات والمراكز العلمية .
إنه مشروع يشرق في سماء التغريب والإحباط واليأس من حال المسلمين تجاه بيت المقدس، وأمام تحديات جسام في واقع عربي إسلامي مأزوم، بدأنا نلمس كوّة أمل من تنامي المشروع وتطوره وازدياد اللاحقين بركبه، فكل التحية والتقدير إلى القائمين والمنتسبين ألى هذا المشروع المعرفي الرائع، إذ إن المعرفة العملية والهمة القوية والإيمان العميق أهم عوامل النجاح والتغيير لأي قضية، وإن سنن التاريخ ونهوض الأمم واندثارها لا يعيها الكثيرون ولا يأخذ بها إلا ذو عزيمة ونفس طويل، فقد أخذ هذا المشروع المعرفي سلاح عدونا ليرده إليه، فكما أن الصهيونية ارتكزت في مشروعها على التوعية الصهيونية وانتهجت المعرفة من خلال تأسيس الجامعة العبرية عام 1925 وما سبقها من إنتاج معرفي صهيوني. فإننا في حاجة لإحياء نهضة معرفية إسلامية عالمية قلبها بيت المقدس، مشروعا يبني نهضة وإلهاما للمظلومين.
تصنيفات : قضايا و مقالات