وفقات مع سورة يوسف
د. وائل محيي الدين
أديب وكاتب
محاضر غير متفرّغ في الجامعة العربية الأمريكية
معلم في وزارة التربية والتعليم العالي
نظرات في قوله تعالى:” وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” [يوسف:25] فما كلّ مشكلة تُحلُّ بالمواجهة، فثمَّ مشاكل تُحلُّ بالابتعاد عن ساحتها، لذلك حاول سيدنا يوسف الهروب من ساحة المعركة ( الفتنة)، ثمّ تشابه بالفعل.. يوسف يجري، وامرأة العزيز تجري، لكن لكلٍّ دوافعُه وأسبابُه.. يوسف يجري هربًا من الفاحشة، وامرأة العزيز تجري إصرارًا عليها، وشتّان ما بين الدوافع والنوايا، فلا تتعجّلوا في الحكم على الأفعال مهما تشابه ظاهرُها.
ولكن ما فائدة الهرب نحو بابٌ مغلق؟ هو دليل أن المؤمنَ لا يفقد الأملَ، حتى وإن أغلقت السبلُ، أما الجاني فيظلّ قلقًا حتى وإن حاول إحكام أسباب النجاة، فمثلما كذّب القميصُ رواية إخوة يوسف الجُناة، وأكّد سلامة يوسف من القتل، ها هو القميص – مرّة أخرى- يلعب دور الشاهد الملك؛ ليؤكّد التهمة على امرأة العزيز، ويدفعها عن يوسف عليه السلام.
وفي الآية سر في كلمة “سيّدها” فلِمَ قال: “سيّدها”، ولم يقل: سيّده، رغم كونها سيّدة القصر، وسيّدة نساء البلد، فيما كان يوسف فتىً في قصر (سيّده)… قال سيّدها؛ لأنّ المعصيةَ تُذلُّ صاحبها، وتكسره، وتحيله من سيّدٍ إلى ذليلٍ منكسر.
وفي قوله: ” قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءَا” ما أسرعَ أن يتقمّص الجاني دور الضحيّة
وهذا ما ظهر في قولها “مَنْ أراد بأهلك سوءًا” فهو أسلوب خبيث في تحريض الأهل عبر استثارة حميّتهم، والنفخ في قضيّة الشرف، لذا فقد قدّمت اقتراحين للعقوبة: السجن أو القتل، لكنها جعلت من عقوبة السجن خيارًا مُقدّمًا على خيار العذاب الأليم؛ مما يشي بحجم الحبّ الذي كان يملأ قلبها، لذلك قدّمت خيار السجن الذي يُبقيه على قيد الحياة، على خيار العذاب الذي قد يميته، فتفقده للأبد وهذا في قوله تعالى: ” إلّا أن يُسجن أو عذابٌ أليم”.
تصنيفات : قضايا و مقالات