ضيف العدد، للدكتور: ناصر الدين الشاعر
سبتمبر 5, 2022
للمشاركة :
د. ناصر الدين الشاعر
عميد كلية الشريعة السابق في جامعة النجاح الوطنية
لو يعرفنا فضيلة الدكتور على رحلته العلمية والعملية؟
ولدت في قرية سبسطية في محافظة نابلس عام 1961م، أنهيت الدراسة الثانوية في الفرع العلمي، ثم انتقلت لدراسة الشريعة في كلية الشريعة في جامعة النجاح وتخرجت الأول على دفعتي، وفي الجامعة نفسها أكملت الماجستير وكان عنوان الرسالة “مفهوم المخالفة عند الأصوليين” سنة 1989، عيّنت بعدها معيدا في الكلية، وفي عام 1996 أنهيت دراسة الدكتوراة من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة مانشستر ببريطانيا، وكانت أطروحة الدكتوراة مقارنة بين الإسلام واليهودية فيما يتعلق بمكانة المرأة، شغلت منصب عميد كلية الشريعة في جامعة النجاح، وما زلت مدرسا فيها.
من أهم المؤلفات التي قمت بكتابتها: حقوق الإنسان في مناهج التعليم الديني العالي، عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
شغلت منصب عميد كلية الشريعة.. كيف تقرأ رحلة كليات الشريعة وما وصلت إليه وما يلوح لها بالأفق؟
كلية الشريعة تعد منارة في جامعة النجاح، بل هي منارة في فلسطين، في السنة الدراسية 1981 – 1982 بدأت رحلتها قسما وتطورت حتى أصبحت كلية، وتطورت حتى ضمت برامج للماجستير، ثم برامج للدكتوراة، إلى عدة برامج في تخصصات متعددة، في الفقه، في أصول الدين وأقسامه، في الاقتصاد، ومثل ذلك أيضا في الماجستير ومثل ذلك أيضا في الدكتوراة، فهناك تطور هائل في كلية الشريعة والحمد لله رب العالمين، وهي منارة لفلسطين وهي تشرف على برامج كثيرة جدا، منها على سبيل المثال بالتنسيق مع شؤون الطلبة والعلاقات العامة وإدارة الجامعة ملتقى القرآن الكريم وملتقى الحديث الشريف، وهنالك أيضا مركز يجري تأسيسه لحوار الأديان، وهنالك أشياء كثيرة جدا، لذلك كلية الشريعة تاريخ عريق، خرجت حتى الآن آلاف الناس، وهؤلاء الناس موجودون في المجتمع وتأثيرهم إيجابي على حفظ المجتمع وهويته. 
ما هي أهم التحديات أمام الحركة العلمية الشرعية في فلسطين اليوم؟ وما هي أهم سبل مواجهتها وتخطيها؟
أذكر قبل 10 سنوات كان أكبر تحد هو الحيلولة دون سفر الخريجين الذين يريدون استكمال الدراسات العليا في الخارج للماجستير والدكتوراة، حيث إن نسبة هائلة من هؤلاء الطلبة يكونون محرمون من السفر وممنوعين منه، ونحن تمكنا من معالجة هذا الأمر بأخذ موافقة على فتح هذه البرامج، برامج الماجستير في كلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية، وأيضا مثل ذلك تم في جامعات أخرى بعد ذلك، والتطور الهائل الذي حصل في آخر عدة سنوات أنه تمت الموافقة من وزارة التعليم العالي على برامج للدكتوراة، وواحد من هذه البرامج هو الفقه وأصوله، وهو برنامج مشترك بين ثلاث جامعات، هي: جامعة النجاح الوطنية، وجامعة القدس، وجامعة الخليل. وهنالك أيضا برنامج دكتوراة في أصول الدين في التفسير والحديث، وهذا والحمد لله أزاح عن كاهل الكثير من الطلاب الشباب الممنوعين من السفر هذا العائق، حيث صاروا لا يحتاجون إلى السفر والحمد لله، وبذلك هناك تنافس كبير على هذه البرامج، ويقصدها طلاب متفوقون ومهتمون بالدراسات العليا.
هناك عقبات كثيرة، ولكن في تقديري أسوأ عقبة تواجه خريجو الشريعة ربما في كثير من بلاد العالم العربي والإسلامي وعندنا بشكل أخص وملحوظ هو ندرة التوظيفات والتعيينات، رغم الحاجة الكثيرة للتوظيف ولكن لا يتم التوظيف من حملة الشريعة مع أن المطلوب خريجي كلية الشريعة، فلماذا توزع -مثلا- المواد المدرسية على أساتذة اللغة العربية أو أي مادة أخرى؟، فلماذا لا يعين من يحمل شهادة شرعية لتدريس المواد المدرسية الإسلامية؟، باختصار المشكلة الحقيقة في التوظيف، هذا لا يعني أنه لا يوجد توظيف، فالتوظيف موجود، ولكن إذا نظرنا إلى النسبة فهناك ضرر واضح تماما، وهذا يؤثر على الإقبال على كليات الشريعة، ولذلك الذي يأتي إلى كلية الشريعة يأتي وهو يحمل في رأسه جزءا من التحدي، يعني سأدرس ولكن ربما أتعثر في مرحلة العمل والحصول على وظيفة إلا إذا حصلت على درجات عليا وشهادات عليا، وهذا يعني المزيد من الجهد، وتعب كبير جدا.
عشت تجربة قاسية بمحاولة الاغتيال.. ما رسالتك للعلماء ولطلابك وللدعاة في ظلال هذه الحادثة الأليمة؟ وكيف تعلق على تضامن الناس معك؟ وإلى أين وصلت مظلوميتك من جهة المتابعة القضائية؟
أنا ابتداء أقول: الرضى كنز لا يفنى، والرضى عن الله هو رأس الأمر كله بعد مخافة الله سبحانه وتعالى، فرأس الحكمة مخافة الله، والإنسان ليس عمرا يقضيه بل الإنسان مجموعة مواقف، ربما تمضي خمسون أو ستون سنة ولا يذكرك أحد، وربما تقضي عشرين سنة مع الناس والناس تذكرك، لأن العبرة بمجموع المواقف، الإنسان مجموعة مواقف والمسلم دائما كما يقول محمد أسد على مفترق طرق، الإنسان دائما يضع نصب عينيه الخير، الخير للناس، للأمة، للدين، للبلد، وأنا لست معروفا بكثرة نسك وعبادة مع أنني والحمد لله والفضل لله محافظ على عبادتي منذ طفولتي، ولكن هناك من هو أكثر مني محافظة، ولكن الذي وجدت نفسي أن الله سبحانه وتعالى أرادني له أن أتخصص في خدمة الناس، والوقوف مع المنكوبين وأصحاب الحاجات، وأنا أعرف وقد قرأت في يوم من الأيام قبل ثلاثين سنة أن الزكاة ليست على المال فقط، حتى الجاه عليه زكاة، فإذا جعلك الله في مقام فيجب أن تدفع زكاة ذلك المقام، وأنا أدفع زكاة ذلك المقام بالتدخل للمظلومين، فإذا شعرت بأن أي إنسان تعرض لمظلومية أسعى أن أتدخل إيجابيا بما منحني الله من طاقة، فأنا لست صاحب قوى خارقة، وإنما بحكم المعارف والاحترام المتبادل وتاريخ العلاقات، وبهذا أنا أحرص على خدمة الناس، ربما في زحمة العمل تجد من يؤيد موقفا لك ومن يعارض موقفا لك، ولكن عندما يكون الأمر حقيقيا تجد أن كل أهل الخير وأهل الحق وكل الشرفاء في البلد يقفون معك، طبعا عندما وقفت في أحداث جامعة النجاح ليس لأنني بطل قومي، بل الله وضعني في ذلك الموقف سبحانه وتعالى، وأنا لا أستطيع أن أنسحب من ذلك الموقف وأكون شاهد زور ولا أقف متفرجا، ولذلك البعض يريد أن يحملني أنا المسؤولية، ويفرغ كل حقده في جسد ناصر الشاعر، وظن أنه يمكن أن يخلق بذلك فتنة في هذا البلد، ولكن الله سبحانه وتعالى أنطقني في أصعب الأوقات وأحلكها والدم ينزف بأنني لن أجعل من دمي وقودا للفتنة، أنا دمي وقود للوحدة الوطنية، وهذا أيضا زاد من الاحترام والتقدير فحتى المنافس لك لا يملك إلا أن يقف إلى جانبك.
أما فيما يتعلق بمجريات التحقيق، للأمانة في اللحظة الأولى كان هناك استعداد كبير جدا وتصريحات من كل المستويات من الرئيس ورئيس الوزراء ومن كل القيادات السياسية في البلد حتى في الداخل والخارج وسفراء وقناصل وإعلان عن التضامن، ولكن بعد مرور شهر تكتشف أن الإجراءات على الأرض غائبة، وكما قيل: الكل يبكي فمن سرق الكتاب؟! مر شهر، فأين الذين أطلقوا النار، أين التحقيقيات، طبعا أنا قضيتي هي محاولة اغتيال لشخصية عامة، وهذه تعد قضية رأي عام، فكان من المفترض على الأقل أسبوعيا الخروج بإعلان ووضع الناس في صورة مجريات التحقيق وأين وصل، ولكن هذا لم يحصل، ولم يطلعوني على التفاصيل، يقولون: توجد تحقيقيات، ولكن مر شهر وأرى أن الأشخاص الرئيسين المتهمين ربما يتجولون ولم يتم اعتقالهم ولا استدعاؤهم للتحقيق، أنا لا أستطيع أن أتهم أحدا بعينه ولكن يعني مراقبة سريعة لكل المواقع الموجودة في البلد بإمكانك أن تصل إلى نتائج بأسرع مما يظن كثيرون، كيف الأمر بمن يملك السلطة والتحقيق والإجراءات، فكان ينبغي في خلال هذا الشهر الكشف عن الجناة الحقيقيين، لكن حتى هذه اللحظة هذا لم يتم. بالتأكيد هذا يشكل نوعا من الإحباط للإنسان الضحية، وهذا يشكل إحباطا للمجتمع بألا يثق بالقضاء والإجراءات القانونية، وهذا كلام خطير، وكأنهم يبعثون رسالة: خذ حقك بيدك! وهذا أخطر إذ سيحول بلدنا إلى معارك عائلية ومناطقية وهذا لا يجوز أن نسمح به. بتقديري الأمر لم يفت بعد وبإمكان المسؤولين تصويب الوضع، وبإمكانهم تسريع الإجراءات والإتيان بالجناة الرئيسين والحقيقيين من خلال تحقيقات بسيطة، فالكاميرات في كل مكان، وأن يأتوا بالشهود وغير ذلك، فهناك أشياء كثيرة جدا يمكن أن يتتبعوها، وهنالك أجهزة تعمل في كل مكان ولديها القدرة على جمع الأخبار وأن تعرف من فعل هذا ومن فعل ذاك، ولذلك نقول هذا غير مقبول لأن الموضوع فيه خطورة، لئلا يقع إحباط في المجتمع من العدالة وإجراءاتها.
ماذا يقول الدكتور ناصر لطلبة العلم وهم على أعتاب السنة الدراسية الجديدة؟
دعني أقول عبارة، فأنا ممن يحبون الاقتباسات كثيرا، من كانت بدايته محرقة، كانت نهايته مشرقة، والمقصود من مثل هكذا عبارة أن الإنسان لا يظن أن الوقت مبكر على ما يريد، ويقول: في السنة الثانية أبذل جهدا أكثر وفي الثالثة أكثر وهكذا، هذا غير صحيح، الذي يريد أن يبذله الجهد يبذل من اللحظة الأولى، ومثال ذلك ما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي، فقد ضمه جبريل ضمة شديدة وقال له اقرأ، فالأمور لا تبدأ باللين، يجب على الإنسان أن يأخذ بالعزيمة، الإنسان يعزم ويتوكل على الله، ويحمل نفسه على عظائم الأمور، ولا يقبل بما دون الثريا، هذا هو الأصل وهذه هي نصيحتي.
ثانيا يجب أن يذهب الإنسان إلى التخصص الذي يحبه ويشعر أنه يجد نفسه فيه، وليس المهم موقف المجتمع ولا موقف الناس، ولا هذا مربح وهذا غير مربح، اذهب إلى التخصص الذي تجد نفسك فيه، ويمكن أن تنجح وتقدم من خلاله خدمة لنفسك، لعائلتك، لمجتمعك.
نعيش حالة علمية جديدة في فلسطين.. وهي تدريس مرحلة الدكتوراة في كليات الشريعة.. ما أهم نصائح الدكتور للقائمين على هذا البرنامج المشترك ولطلابه من الباحثين؟
أولا بالنسبة للقائمين يجب أن ننتبه نحن جميعا -لأنني أحدهم- أن مرحلة الدكتوراة مختلفة تماما عن كل المراحل التي قبلها، والمفروض أن يتخرج على أيدينا أناس جهابذة موسوعيون، ليس لهم تأثيرات سلبية على مواقفهم العلمية إنما يجعل العلم هو الذي يتكلم، ويكونوا تجميعيين لا تفريقيين، وأن يركزوا على القضايا ذات الأهمية التي تفيدهم وتفيد مجتمعهم، ليس جيدا أن أبعث من القبر قضايا لتحليلها ودراستها وقد ماتت من ألف سنة، المفروض أن يكون الاهتمام بقضايا العصر.
إذا أردنا أن نتكلم عن الاجتهاد يجب أن نربطه بالاجتهاد المعاصر، إذا أردنا أن نتكلم عن أي موضوع يجب أن نربطه بالعصر واحتياجاته وأولوياته، لكل زمان رجال، ولكل زمان علماء، الله سبحانه وتعالى أكرم من أن يترك الأمة من غير قائمين بحجة لهم، وبذلك نريد من طلبة العلوم في الدكتوراة الذين نخرجهم أن نخرج أناسا يعدون منارات، حجة، ويحملون هذا الدين، ويعدون عابرين بين الفئات والاتجاهات والأفكار المتضاربة، هم يكونون القاسم المشترك الذي يجمع الناس، ولا ننشغل بخلافاتنا والأمور التافهة، إنما نعالج جوهر القضية الذي يحمي الأمة ويعيد للدين مجده وكذلك للناس.
وبالنسبة لطلبة العلم الشرعي في الدراسات العليا عليهم أن تكون نيتهم لله، ويقال عمن سبق عمر بن عبد العزيز أنه كان يدور في رأسه من يولي من بعده خليفة، فقال عبارته الشهيرة: لأعقدن لله عقدة، ليس للشيطان فيها نصيب، واختار عمرَ بن عبد العزيز، ترى لو كل طالب من طلبة الدكتوراة عقد لنفسه عقدة ليس للشيطان فيها نصيب، إذا كم عمر بن عبد العزيز عندنا؟ وليس ضروريا أن يكونوا مثل عمر بن عبد العزيز تماما، فإن لم تكونوا منهم فتشبهوا بهم، إن التشبه بالكرام فلاح.
لو يحدثنا الدكتور ناصر حول التخصص الذي أدخله في برنامج الدكتوراة وهو الفكر الإسلامي ومقارنة الأديان تقريبا
هذا التخصص المفروض مفتوح لطلبة العلوم من كل التخصصات وليس فقط لخريجي كلية الشريعة، يعني أي إنسان يعشق الفكر ويريد أن يفهم الأفكار التي تدور حوله، ويريد أن يقرأ أفكار الأديان عبر التاريخ واليوم ويريد أن يعرف مكانة الإنسان ودوره ويريد أن يعرف أين هي القواسم المشتركة وأين هي الفروقات، ويريد أن يكون مرتاحا تماما في اختياراته، فهذا البرنامج مخصص لذلك، فهو برنامج منفتح على كل الأفكار والديانات والأحزاب والحركات والتصورات والمفاهيم، الديانات القديمة والحديثة، السماوية وحتى الفكرية التي قد لا يكون لها علاقة بدين سماوي معروف كالديانات الأربعة على سبيل المثال، أنا أعرف أن البعض عنده حساسية من استخدام مصطلح ديانات فهو يعد أن الدين عند الله الإسلام، ولكن هذا لا يمنع أنه: لكم دينكم ولي دين، فلا يجوز أن نأخذ بآية ونترك آية، فالله وصفهم: لكم دينكم ولي دين، والمهم هنا بمقدار ما أفتخر بديني ألا أبحث دائما عن نقاط الاختلاف، لماذا أهل الدين لا يبحثون عن الأشياء الجميلة في وجه اللادينية العنيفة التي اليوم بدأت تغزو العالم وتريد أن تصرف الإنسان عن طبيعته، وتحارب طبيعة الإنسان وتكوينه، وتحارب كل شيء يمت للدين بالصلة؟ لماذا لا تكون هناك كلمة سواء، يقول تعالى: ‌قُلْ ‌يَا أَهْلَ ‌الْكِتَابِ ‌تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ؟ المفروض في هكذا برامج وهكذا مساقات أن تبني هذه العقلية الكبيرة المنفتحة الجبارة التي تثق بما عندها ولا تخاف بما عند الناس، وهي منفتحة للخير أينما كان، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها فهو أولى بها.

تصنيفات :