بسم الله الرحمن الرحيم ملح البلد يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ يَا مِلْحَ الْبَلَدْ
مَا يُصْلِحُ الْمِلْحَ إِذَا الْمِلْحُ فَسَدْ؟ صرخة أطلقها سفيان الثوري – رحمه الله – للدعاة الى الله، الذين يحملون راية الإسلام وينبوع الهداية؛ إدراكا لدورهم العظيم والخطير في إصلاح الأمة وخاصة في أوقات شدتها، العلماء والدعاة اليوم أمام مهمة عظيمة، ومصاب جلل، والميدان يتطلع إليهم، وقلوب العباد الحائرة تتشوق لتعاليمهم. إنّ الواقع في هذه الأيام ينبئ عن خطر عظيم، فأعداء الإسلام وأصحاب الدعوات المنحرفة يبذلون الليل والنّهار في سبيل تشويه أجيالنا، ويستغلون في سبيل ذلك كل وسائل الإعلام والترفيه، فالأفلام الهابطة والمسلسلات والكتب والبرامج والمؤسسات، وكلها تصب في عملية تشويه فكر الأجيال، وهدم الأسر ونشر الفسق والفواحش والعداوات، وإلهاء شبابنا بالتافه عن قضاينا الكبرى. إنّ آثار ذلك باتت واضحة في مجتمعنا، فالقتل والمعاصي والربا والغش والانشغال بالتوافه وإهمال الفرائض والواجبات، ناهيك عن انتشار الموضات المخالفة لشرعنا الحنيف، وانتشار الشباب والشابات على المقاهي والنوادي، وإقامة الحفلات والسهرات المنافية لتعاليم الاحتشام والعفة، ويفوق ذلك كله الجهل الواضح بالإسلام والغفلة عن رسالته، وحمل الأفكار المشوهة، والشبهات الفكرية الهدامة. وفي وسط هذه الفتن فإن حصننا هو الدعوة الى الله، فإن الدعوة إلى الله من أهم المهمات وأشرفها في كل زمان ومكان، فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوبها، وأنها من أمهات الفرائض (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران: 104)، وقال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (النحل: 125)، وقال عز من قائل: (وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين) (القصص: 87)، وقال سبحانه: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) (يوسف: 108)، فبيّن الله (عز وجل) أن الدعاة إلى الله هم أتباع الرسل (صلى الله عليه وسلم)، وهم أهل البصائر. وليعلم الدعاة والصلحون والعلماء أنهم في أعلى مراتب الشرف، فمهمتهم هي مهمة الأنبياء – عليهم السلام- خير البشر، وقد أشار الله تعالى إلى هذا المقام الشريف والمنصب المنيف بقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ (فصلت:33)، و(مَن) هنا بمعنى: لا، أي: ولا أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، فلا أعظم ولا أجمل أن تكون النبراس الذي يهتدي به الغافلون، والدواء الذي يمسح الداء عن قلوب العصاة، والبلسم الذي يشفي أمراض الأمة بإذن الله؛ كان الإمامُ القُدوة سفيان الثوري – رحمه الله تعالى – يقول: “الأعمال السيِّئة داءٌ، والعلماء دواء، فإذا فسَد العلماء فمَن يُصلح الداء؟!”. والدعوة الى الله اصطفاء رباني فقد قال تعالى: ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ )( الأعراف: 181) ، “في هذه الآية دلالة على أن الله اختص نفوسا معينة بمعرفة الحق على وجه كامل مثمر، فهي لا تضاء به من داخل فحسب بل تبسط أشعته أمام الناس عامة ليسيروا هداه ويطمئنوا إلى سناه” . لذلك وجبت الدعوة والتذكير – وكلنا ثقة وأمل بالاستجابة – للدعاة، والعلماء، وحملة الشريعة المحمدية إلى أن تتضافر جهودهم، وتتكتل قواهم، ويُجمعوا أمرهم على غمار الإصلاح والدعوة بقوة وعزم وصبر وثبات وثقة واطمئنان، فإن السيل لا يوقفه إلا سيل مثله، والتيار لا يصده إلا تيار أقوى منه، وحل المعضلات لا يكون بالهروب منها أو التواري عنها، بل يكون بالبحث والاستقصاء والدراسة والتتبع وإعمال الفكر والنظر، وتشخيص الداء، وتلمس العلاج، فما من مشكلة أو معضلة، وما من مسألة أو حادثة إلا وفي الإسلام لها حل. فيا أخي الداعية: امضِ في طريقك غير ملتفتٍ لصيحات المتقاعسين، واعلم أنك على ثغر من ثغور الإسلام العظيم، فالله الله لا يُؤتينَّ الإسلام من قِبَلِك، فجدِّ السير، وشد الهمة، وأبدع وابتكر وارتق المنابر، ونوِّع الطرح، وحذِّر من الفتن، وكن مطرقة على سندان الشبهات، وتسلح بالصبر والثبات واليقين. أيها الداعية: إن الداعية إلى الله -تعالى- لا ينبغي أن يفوت أي فرصة للدعوة إذا سنحت له إلا وقد استغلها، يلقي خلالها كلمة ولا يحتقرها، فربما وقعت في قلبٍ خاوٍ تائهٍ فغيّرت المسار وحُطَّ عنك بها الأوزار وأرضت العزيز الجبار.
تصنيفات : قضايا و مقالات