آيات بينات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، د. خالد علوان
أكتوبر 10, 2022
للمشاركة :

آيات بينات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته

د. خالد علوان

وُلِد صلى الله عليه وسلم يتيماً، مات أبوه وأمه حبلى به، ولم تلبث أمه أن توفيت وهو في السادسة من عمره، فعاش يتيم الأبوين، وقد أمضى في حياة أمه بعيداً عنها ما يقرب من أربعة أعوام رضيعاً عند حليمة السعدية، فلم ينعم بحنان أمه إلاّ قريباً من عامين .

نشأ وشبّ واكتهل في بيئة جاهلية تصنع الأصنام وتتخذها آلهة، وتحقرُ النساء وتحرمهنّ من حقوقهنّ، وتئدُ البنات، وتحترم القوي وتُزري بالضعيف.

عاش حياته الاجتماعية بين قومه بشكل طبيعي، اشتغل برعي الغنم وعمل بالتجارة وشارك قريشاً في إعادة بناء الكعبة، فلم يكن منعزلاً عن الناس فعرفه قومه عن قربٍ، فعرفوا صدقه وأمانته وعفته فشاع وصفه بينهم بالصادق الأمين .

نشأ يتيم الأبوين لكنه جاء بشريعة بر الوالدين وإكرامهما وتوقيرهما والإحسان إليهما .

نشأ وشب واكتهل في بيئة الشرك والأوثان والخرافة لكنه لم يسجد لصنم ولم يقسم بوثن، وكان التوحيد ومحاربة الشرك بكل مظاهره وأشكاله أساس دعوته ولباب رسالته .

كان قومه وبقية العرب يكرهون البنات ويشعرون بالخزي والعار عندما تلد امرأة أحدهم بنتاً، وقد شاع عندهم وأدُ البنات، وكانوا يحرمونهن من الميراث، فجاء بشريعة تكرم النساء وتعلي من شأنهن وتعطيهن حقوقهن المادية والمعنوية، وهو الذي علم البشرية إكرام النساء وحب البنات، هو القائل صلى الله عليه وسلم؛ “استوصوا بالنساء خيراً [صحيح مسلم]، وأقبلت ابنته فاطمة رضي الله عنها يوما فقال: “مرحباً بابنتي وأجلسها بجانبه”. [صحيح البخاري].

كانت بيئته العربية تُعلي من شأن القوة ولو كان القوي ظلوماً غشوماً وتُزري بالضعيف، فجاء بشريعة أساسها العدل واحترام الإنسان قوياً كان أو ضعيفاً، غنياً كان أو فقيراً، وهو القائل: “إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيمُ الله لو أنَّ فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعتُ يدها” [متفق عليه].

شارك صلى الله عليه وسلم قبل بعثته قومه بما عندهم من إيجابيات، واجتنب ما عندهم من سلبيات، فلم يمسه شيء من أوضار الجاهلية وقاذوراتها، فلم يدخل حانة خمّار، ولا بيت فحش، بل ما عُرِف عنه أنه أقام علاقة حبٍّ عُذريٍ مع امرأةٍ، فلم يتحدث أعداؤه عنه بشيء من ذلك على الرغم من حرصهم الشديد على إبطال دعوته والطعن في سيرته .

نعم، فقد أدهشت سيرته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم قومه وشاع وصفه بينهم بالصادق الأمين، وقد قال الله تعالى (أم لم يعرفوا رسولهم) [المؤمنون:69]، وهو سؤال لمن كذبوه، لأنهم كانوا يعرفونه تمام المعرفة.

ولما عاد صلى الله عليه وسلم من غار حراء خائفاً عندما فجأه الوحي في أول مرة وقال لخديجة: “لقد خشيت على نفسي” قالت له – تصفه بأخلاقه التي عُرف بين قومه بها-: كلا والله ما يُخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتُكسبُ المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق” [صحيح البخاري].

لقد كان في حياته وسيرته وأخلاقه قبل النبوة آياتٌ بيِّنات على صدق نبوته، وزبانية رسالته، فكان أول من آمن به صاحبه وأقرب الناس إليه من الرجال أبو بكر رضي الله عنه، وأول من آمن به من النساء زوجه خديجة رضي الله عنها، وأول من آمن به من الموالي مولاه زيد بن ثابت رضي الله عنه، وأول من آمن به من الصبيان ابن عمه علي رضي الله عنه.

هؤلاء أقرب الناس إليه هم أول المؤمنين إيمانًا، لم يطلبوا منه آية أو معجزة على صدقه، لقد كانت أخلاقه وسيرته عندهم دليلاً كافياً وافياً على أنه رسول الله تعالى.

لقد كانت عناية الله تعالى وحفظه يحوطان محمداً الطفل اليتيم، والشاب العفيف، والكهل الوقور الجليل، وتمت كلمة الله على نبيه في قوله تعالى:(ألم يجدك يتيما فآوى) [الضحى:6]، وفي قوله:(فإنك بأعيننا( [الطور:48].

تصنيفات :