(مشاركة المرأة الفلسطينية في المجالس المحلية بين الضرورة المجتمعية والضوابط الشرعية)
د. عمر اشتيه
دكتوراه في العلوم السياسية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد كان للمرأة العربية العديد من المساهمات والمشاركات المجتمعية جنبا إلى جنب مع الرجل على مر العصور والتاريخ، وكان للمرأة العربية المسلمة الدور الأبرز في حماية مجتمعها وأسرتها من أي ضياع، فهي الأم والأخت والزوجة، وهي ركيزة مهمة من ركائز المجتمع، إذ تحميه من أي تغول أو افتراس أو اعتداء من الأعداء والمتربصين.
وقد حظيت المرأة الفلسطينية بالدور الأبرز بعد مشاركتها في الانتخابات المحلية بعد قدوم السلطة الفلسطينية، وقد سمح القانون الفلسطيني للنساء المشاركة السياسية في البرلمان الفلسطيني، وفي المجالس المحلية والبلدية، وقد شاركت النساء الفلسطينيات بالفعل في الانتخابات التشريعية الأولى والثانية، وكان لهن ضمن (الكوتة النسائية) نسبة معينة في عضوية المجلس التشريعي، وبعد ذلك بدأت النساء الفلسطينيات بالمشاركة في الانتخابات والتنافس على المجالس المحلية والبلدية ضمن (الكوتة النسائية) التي أقرتها القوانين الفلسطينية، وقد نجحت العديد من النساء في هذه الانتخابات، وقد وصلت بعضهن رئيسةً لبعض البلديات، وأرى بالفعل هنا أن مشاركة النساء في العمل السياسي والاجتماعي من خلال مشاركتهن في المجالس المحلية والبلدية المنتخبة ضرورة وطنية ومجتمعية؛ لما لذلك من فوائد كبيرة تعود على المجتمع والمرأة كونها ربة أسرة، وهي شريكة للرجل في أعباء الحياة كافة، إذ إنها تحمل معه الهموم والأوجاع، وهي المربية للأبناء، وصانعة الرجال، وهي من شارك مع الرجل جنبا إلى جنب في مقاومة المحتل والدفاع عن الأرض والمقدسات، وتشكل السيدات اللواتي يدافعن عن الأقصى ويرابطن فيه مثالا حيا على ذلك، فالمرأة الفلسطينية ما بين أسيرة وشهيدة أو أخت أو زوجة شهيد أو معتقل أو أكثر.
وإن لمشاركة المرأة في المجالس المحلية والبلدية فوائد مجتمعية عديدة ومهمة، إذ إنها من خلال مشاركتها فإنها تمثل المرأة في هذه المؤسسات، وتطالب بحقوقها المنقوصة، وهي تساعد المؤسسة في تمثيل المرأة بكل ما يخصها، فهي تمثل الرابط الواصل بين هذه المؤسسة والمجتمع، إذ إنها تقوم بدور كبير من أجل حل قضايا النساء، ومتابعة ما يتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة، والقيام بنشاطات نسائية مختلفة لها علاقة بإيجاد فرص عمل للمرأة، وتقديم الدعم لمشاريع صغيرة وكبيرة تخص النساء وتطوير أعمالهن، وكذلك قضايا التعليم والصحة والنشاطات الاجتماعية المختلفة التي تخص العمل النسوي داخل المجتمع.
وبالطبع لا يعني مشاركة المرأة في المجالس المحلية أو غيرها من ميادين العمل الاجتماعي أو السياسي أن تشارك دون ضوابط شرعية ومجتمعية، فالإسلام قد سمح للمرأة بالمشاركة في الكثير من المجالات مثلها مثل الرجل، ولكن ضمن خصوصية للمرأة، وضوابط شرعية أهمها عدم الاختلاط غير الشرعي، أو الخلوة، أو العلاقة مع الرجل دون قيود وضوابط، فقد شاركت الصحابيات المجاهدات الصحابة المجاهدين في المعارك والغزوات، وكن يداوين الجرحى ويحضرن الزاد والماء للمجاهدين، وكن يقمن بدور التغطية على المجاهدين كما نساء فلسطين اليوم حينما يدافعن عن الأبطال أو يخبئن المجاهدين، ويقمن بحمايتهم بعدة طرق خوفا من المحتلين.
ونحن الفلسطينيين اليوم نعيش في مرحلة تحرر من الاحتلال، ولا بد من تكاتف وتعاون الرجل والمرأة على حد سواء، فهي الحاضنة التي تربي الأجيال وتصدر للمجتمع رجالا أقوياء وأفذاذا يذودون عن الوطن كي يخلصوه من ظلم المحتل وجبروته، إذ تشكل النساء في مجتمعاتنا قرابة النصف، وقد وصلت المرأة لمستوى عال من الإبداع والتفوق في المدارس والجامعات، ونجدهن صاحبات جد واجتهاد، ويحرزن المراكز الأولى على مدارسهن وجامعاتهن في العديد من المجالات والتخصصات.
ولا يحق لأحد كان من كان أن يقلل من شأن المرأة، أو يمنعها من ممارسة حقها في بناء المجتمع، أو يصدر الفتاوى التي تحرم مشاركة المرأة في المجالس المحلية أو غيرها من المؤسسات المجتمعية الرسمية والشعبية على حد سواء، ما لم يكن هناك مخالفة شرعية.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
تصنيفات : قضايا و مقالات