عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنشء، د. محمد الملاح
ينكشف الستار عن مشهد من أعظم المشاهد وأروعها، ولولا كتب الصحاح لما قبلت عقولنا، أن نبياً عظيماً ينحني لصبي صغير “يأخذ بخاطره”، _كما يقال_، في موت عصفوره الصغير، نعم قد بلغ هذا في قلب أبي عمير الصغير مبلغاً عظيماً، “يا أبا عمير ما فعل النغير؟”، إنها التربية بالحب يا سادة.
وهل يملك نبي عظيم وقتاً ليداعب هذا الصغير أو يجامل ذلك الفتى؟ أو أن تأخذ الأَمَةُ بيده فتنطلق به حيث شاءت؟
لقد عرف النبي الكريم أن صناعة الرجال تبدأ بالنشء الصغير، وأن من صنعهم على عينه صلوات الله عليه كأسامة البطل؛ ما كان إلا طفلاً صغيراً، “يكاغي” و”يبكي” و”يغار” و”تطيش يده في الصحفة”، ثم ليُربَى تربية محمدية، فيقودَ جيشاً إلى الشام وهو ابن السابعة عشرة.
وتعالوا لنرى فصولاً مشرقة في عناية النبي ﷺ بالصغار، خرجت من مشكاة النبوة.
العناية الأولى:
توجيهه ﷺ لاختيار الأم، الحاضنة الفطرية لهذا الغلام، فهي من سترضعه حليب العزة، وتهمس في أذنه كلمات الرجولة، وتغرس في تربة قلبه أشجار الشموخ والإباء، فقال: “تُنكح المرأة لأربع.. فاظفر بذات الدين تربت يداك” [صحيح البخاري]، وقال: “تخيروا لنطفكم”[حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره].
العناية الثانية:
أوصى الأزواج أن يطعموا زوجاتهم من الحلال، “فأيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به”.
العناية الثالثة:
أدركت البصيرة النبوية أهمية الاسم، فإن النبي ﷺ قد غير كثيراً من الأسماء، لتعكس معنى عميقاً في نفوس أصحابها، فمن “عاصية” إلى “جميلة”، ومن “حزن” إلى “سهل”.
وكذلك اعتنى النبي ﷺ بالكنية، لتضفي بعداً تربوياً، وتفاؤلاً بأنه سيعيش حتى يُولد له ولد.
ولكم أن تتخيلوا ما آلت إليه الأسماء اليوم من الميوعة والانحلال، فأسامة أصبح “أسُّومي”، فمتى سيفتح “أسُّومي” القدس؟!.
العناية الرابعة:
رسائل الحب التي كان يرسلها ﷺ بالتقبيل، إذ كان يقبل الحسين رضي الله عنه في فمه، واعترض على الصحابي الذي لا يقبل أبناءه بقوله له: “وما أملِكُ لك أنْ نزَع اللهُ الرَّحمةَ مِن قلبِك”[المستدرك].
العناية الخامسة:
التربية بالتوجيه: كحديث ابن عباس رضي الله عنهما لَمَّا كانت تطيش يده في الصحفة فقال له: “يا غلام سمِّ الله، وكل بيمينك وكل مما يليك”[صحيح البخاري].
العناية السادسة:
التربية بالملاطفة: كما صرف وجه الفضل بن العباس رضي الله عنه لَمَّا نظر إلى امرأة.
العناية السابعة:
التربية بالاحترام: وفي ذلك أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بشَرَابٍ فَشَرِبَ منه، وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ، وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أتَأْذَنُ لي أنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ الغُلَامُ: واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، لا أُوثِرُ بنَصِيبِي مِنْكَ أحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسولُ اللَّهِ ﷺ في يَدِهِ، [صحيح البخاري].
العناية الثامنة:
التربية بإعطاء الثقة: كما فعل ﷺ مع عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما في الهجرة، حيث منحه مساحة من الثقة ليأتيهم ليلاً بخير القوم، ثم يعود إلى مكة، فيبيتَ معهم كأنه من الليل.
العناية التاسعة:
أمر بالدعاء للأبناء وجعل دعوة الوالد على ولده مستجابة، ونهى عن الدعاء على الأبناء بقوله: “لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم”[صحيح مسلم].
تصنيفات : قضايا و مقالات