ضيف العدد، د. إبراهيم أبو سالم
نوفمبر 8, 2022
للمشاركة :

لو يحدثنا فضيلة الدكتور عن حياته العلمية والعملية.

أنا مواليد 1/3/1948م، يعني أنا ابن النكبة، درست المرحلة الابتدائية في مدرسة أبو شخيدم حيث كنا نسكن في دار بسيطة جدا، لا تتعدى مساحتها 16مترا مربعا، وكنا خمسة أبناء وأربع بنات في غرفة واحدة نعيش، دون مرافق لها، عشنا حياة بسيطة، وبسيطة جدا، لاجئين وفقراء، لا نملك تينا ولا زيتونا، كنا ننظر إلى ما عند الناس ونراه شيئا عظيما، ثمرة التين كانت عجيبة بالنسبة لنا، وكنا ننتظر الدجاجة إذا باضت نسارع إلى اختطافها والذهاب إلى الدكان لشراء بعض الحاجيات، ولله الحمد. المرحلة الابتدائية ست سنوات كانت هناك، أما المرحلة الإعدادية فكانت في مدرسة الأمير حسن الثانوية في بيرزيت، كنت أمشي على قدمي أنا وأبناء القرية الذين يدرسون، من أبو شخيدم ننزل واديا ثم نصعد جبلا، ثم ننزل واديا آخر ونرتقي جبلا آخر لنصل إلى المدرسة، صيفا وشتاء بكل ظروف الطقس، المرحلة الإعدادية ثلاث سنوات بعدها المرحلة الثانوية في المعهد العلمي الإسلامي في القدس، كنت ساكنا هناك، في دار في غرفة في سوق القطانين، السوق المظلم على باب المسجد الأقصى المبارك، أنهيت المدرسة الشرعية وكان بقدر الله -سبحان الله- سنة 1967، كنت في الامتحانات الثانوية العامة قد قدمت توجيهي أدبي وتوجيهي شرعي، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بالنجاح، وما توفيقي إلا بالله. طبعا المعهد العلمي الإسلامي الذي أشرت هو الذي أصبح بعد 1967 ثانوية الأقصى الشرعية، كان اسمه المعهد العلمي الإسلامي على باب السلسلة، والآن هو ثكنة عسكرية لأنه مطل على حائط البراق، الذي يسمونه حائط المبكى.

درست المرحلة الجامعية في كلية الشريعة في اللويبدة في عمّان لمدة 4 سنوات، وبفضل الله تعالى كتب الله لنا النجاح والتوفيق بتقدير جيد جدا، مرحلة الماجستير في كلية الشريعة في الأزهر بالمراسلة، سنة 1976 و1977 ذهبت من عملي حيث كنت أعمل واعظا، وكان أول عملي بالوعظ أن عيّنت واعظا لمحافظة نابلس، بتاريخ 2/2/1972م، وكنت أطوف على محافظة نابلس والتي كان عدد قراها يختلف عن اليوم، كانت 123 قرية وأربع مخيمات، وكنت أطوف عليها جميعا، الآن المحافظات تغيرت، سلفيت أخذت قطاعا من القرى، وطوباس صارت محافظة، وهكذا، أما أنا فقد كنت أتجول على 123 بلدة وأربع مخيمات، وكنت خطيبا لمدة سنة ونصف في مسجد الحاج معزوز المصري المعروف في نابلس. ناقشت رسالتي للماجستير بتاريخ 19/3/1981م، وبعد عدة أيام عدت إلى فلسطين، وكان أهلي يسكنون في بيرزيت، رحم الله والدي توفي وأنا طفل، سنة 1960، ورحم الله والدتي، حيث قامت بعمل جليل، فكانت الأب والأم، وكان اتكالنا المادي على ما يسمى “كرت المؤن” أو “كرت الوكالة”، مع الأسف كلام مؤلم، ولكنها الحقيقة، الحمد لله.

بعدما كنت واعظا في نابلس لمدة سنة ونصف، ثم صرت واعظا  لمحافظة رام الله وفيها 84 بلدة، بما يشمل المدينتين رام الله والبيرة، في هذه الفترة كنت أعمل في أعمال كثيرة أخرى، مدرسا في معهد المعلمين ومعهد المعلمات برام الله، ودرست في جامعة النجاح سنة 1987 فصلا واحدا، ودرست في مدرسة اليتيم العربي لسنوات، ودرست في مدرسة الأمير حسن معلما بديلا لمدة شهرين، يعني درست كل المراحل التعليمية من الأول الابتدائي حتى التوجيهي ثم الجامعة بفضل الله تعالى، وفيما بعد كنت مشرفا على عدة رسائل ماجستير.

انتقلت من الأوقاف التي عملت بها سنة 1972 إلى كلية الدعوة وأصول الدين مدرسا بالماجستير في ذلك التاريخ أي سنة 1981 وبقيت على رأس عملي إلى سنة 2005 حين حصلت الانتخابات التشريعية 2005 – 2006م، طبعا خلال هذه المرحلة كنت قد سجنت عدة مرات، أول مرة كانت سنة 1986م بتهمة “قائد في الإخوان المسلمين” وحكمت أداريا 3 أشهر، ولا أعلم أحدا من أبناء الحركة الإسلامية سجن إداريا قبل هذا التاريخ، كان يسجنون بقضايا، فأول من حكم إدرايا بتهمة الانتماء إلى الحركة الإسلامية هو أنا ولله الحمد على كل حال. سجنت سنة 1986م وأيضا سنة 1988م في الانتفاضة، وفي 1990 – 1991م، ومضت الاعتقالات بواقع كل سنة إداري تقريبا، 3 أشهر أو 6 أشهر أو 9 أشهر، سنة 1993 أبعدت إلى جنوب لبنان في مرج الزهور ولله الحمد، قبلها كنت قد سجلت للدكتوراة في جامعة إم درمان في السودان ذهبت سنة 1992 وسجلت فيها، سنة 1993 هيئ لي أن أناقش رسالة الدكتوراة في جامعة الجنان في طرابلس، وعلى ذكر الدراسة، كانت رسالتي الماجستير بعنوان: الإمام الحسن البصري وأثره في الفقه الإسلامي، وكانت رسالتي الدكتوراة بعنوان: أحكام أصحاب العاهات في فقه العبادات، والعنوان هذا عليه ملاحظات والبعض لا يقبله، فيرفضون كلمة “عاهات” ويسمونهم ذوي الاحتياجات الخاصة.

بعد الرجوع من جنوب لبنان أكملت في كلية الدعوة في أبو ديس، وقد كانت من قبل في بيت حنينا، وبعدها سجنت بشكل متكرر ولله الحمد، حتى الانتخابات التشريعة وفزت فيها عن محافظة القدس بفضل الله تبارك وتعالى، وصرت رئيس لجنة القدس في المجلس التشريعي الذي لم تتح لنا الفرصة العمل من خلاله بكل أسف، لأننا أحطنا من كل جانب، سجن متواصل عند اليهود، وغير ذلك.

المسجد الأقصى جوهر الصراع ومحل نظر الطامعين .. وأهل القدس حماتها وسدنتها، ماذا تقول لأهل القدس؟

المسجد الأقصى والقدس في قلب كل مسلم وفي قلبي، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لاعتكفت في المسجد الأقصى أكثر مما فعلت، لكن للأسف بقي جهد المقل، سن كبيرة، ومرض شديد، والإغلاق الصهيوني. أقول لأهل القدس: القدس جوهرة العالم، جوهرة العالم الإسلامي، جوهرة الدنيا، القدس يكفيها “باركنا حولها” آية الإسراء الأولى، بركة تتوزع على الكرة الأرضية من القدس، أنا أسميها أحيانا مثل ينبوع الماء الذي يتدفق من مركزه ثم ينتشر ويصبح سيولا وأودية، البركة تنطلق إلى الدنيا من القدس وهذا سر الصراع على القدس، وهذا سر الملاحم على القدس، والقدس أهلها جزاهم الله خيرا ومحبوها القادرون على الوصول لها ليسوا مقصرين ويقومون بجهدهم للدفاع عنه بطرق مختلفة بالحد الأدنى، ومنه الرباط الدائم، والصلاة، وخصوصا صلاة الفجر، وحضور الجمع، وهكذا تعمير المسجد الأقصى، وهذا واجبهم في الوقت الذي فيه أبناء أمة الإسلام قاطبة يحبون القدس ويبكون إذا سمعوا كلمة المسجدا الأقصى لأنهم عاجزون عن الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، فهذا دور أهل القدس، حضورا، وبذلا، ومنافحة، وكل بطريقته، ولا يكلف الله تعالى نفسا إلا وسعها.

ما واجب علماء الأمة عموما، وعلماء فلسطين خصوصا تجاه ما يتعرض له المسجد الأقصى اليوم؟ ما الواجب العملي سوى الخطب والدروس؟

الواجب الأول حب الأقصى وحب القدس ومحاولة وصول القدس لمن استطاع، ولا نستهين لا بالخطب ولا بالدروس، فهي كذلك جزء في غاية الأهمية، هذا الذي يستطيعه العلماء، بالإضافة إلى تحشيد الناس، وبيان من هو العدو الحقيقي للقدس والممارسات التي يفعلها الاحتلال صباحا ومساء للأقصى وتدنيس الأقصى والحفر تحت الأقصى، ومحاولة هدم الأقصى، وما يسمى الهيكل، التفكير بالبناء، والبوق، والبقرة، والخراف، حرب شرسة وضروس ليلا ونهارا كل يوم على المسجد الأقصى، على الأقل جهد المقل أن نتكلم كلمة، وأن ندعو دعاء وأن نحرك مشاعر المسلمين، ولا نعلم لعل الفرج قريب، وأحيانا يأتي الفرج ونحن غير منتظرين، ربما يأتي الفرج فجأة لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر الأشياء وهو الذي أمره بين الكاف والنون، وهو القائل:” كذلك قال ربك هو علي هيّن”.

تعيش الحركة الدعوية اليوم تحديات كبيرة، كيف يمكن للداعية المخلص التغلب عليها؟

مهمة الدعاة مهمة خطيرة، وأمل الأمة في الدعاة لأن صنفان إذا صلحا صلح الناس، الأمراء و العلماء، الأمراء اليوم يرفعون الراية البيضاء، ويرفعون أيديهم استسلاما لأعداء الأمة، وبعضهم ليس مستسلما فقط بل يعلن أنه جاسوس، ويعلن أنه مع الخصم في السراء والضراء، فبقي عندنا دور العلماء ودور الدعاة في استنهاض الأمة، وتحريك مشارع الأمة، والوقوف مع الشعب الفلسطيني مع المرابطين، مع المقاومين، ولو بكلمة، ولو بدعاء، وذلك أضعف الإيمان، أن يكتبوا أن يتكلموا أن يخطبوا، فقضية فلسطين وقضية القدس قضية أمة الإسلام، كل الأمة، وليست قضية أبناء القدس ولا علماء القدس ولا علماء فلسطين، وأنا متفاءل جدا، أنا أرى أنه بفضل الله سبحانه وتعالى الشعب الفلسطيني اليوم يقوم بدور ريادي، ويقوم بدور بطولي، وهو عظيم، بشبابه وأبنائه، الآباء والأمهات، الأمهات العظيمات الخنساوات، الآباء منقطعو النظير، لا نظير لآباء وأمهات فلسطين في العالم، ولا نظير لشباب فلسطين في العالم، هم أعلى مستوى ويشقون الطريق نحو النصر وهم قناديل المستقبل وقناديل الأمل للأمة كل الأمة.

أسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدي المقاومين، وأن يأخذ بيد الشباب الصابرين والصابرات، والمرابطين والمرابطات، وأدعو الله تعالى أن يهيئ للمسجد الأقصى من يحرره، ويعيد له مجده وعزه وكرامته، وأنا واثق أن عزته وكرامته لم تنقص ذرة، لسبب بسيط جدا، لأن كل احتلال كمثل الذبابة وقعت على طعام شهي، فالذبابة لا تنجس، ولكنها تؤثر نفسيا، ستموت الذبابة، وسيظل الطعام، وسيظل الجبل شامخا، والمآذن مرفوعة والتكبير قائم، ما دمنا نعتقد أن الله أكبر، ودائما الله أكبر لا تنقطع في المسجد الأقصى ولا في بلادنا، فنحن بخير والمستقبل للإسلام، المستقبل الحق، الحرية للمسجد الأقصى ولفلسطين، فعندي يقين ليس في الأجيال القادمة، بل في جيلنا سنشهد أيام العزة والكرامة والنصر والتحرير.

بارك الله فيكم أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تصنيفات :