مناهج التّعليم في القدس تحت حراب التّغيير والتّزوير
لم تكن المدينة المقدّسة لحظة بمنأىً عن حراب المحتل مذ وطئت قدماه ثراها؛ فعمد إلى محاربة أهلها والتّضييق عليهم بشتّى الوسائل ليهجّرهم منها.
ولمّا كان التّعليم هو السّلّم الذى ترتقي به الأمم قمم العزّ والكرامة، أراد المحتلّ أن يسحب سلّم كرامة المقدسيين، ويقطع حبل وصولهم النّجاة، ويطفئ السّراج الذي من نوره يبصرون معنى حبّ الأوطان، فلا تلين لهم بذلك قناة، ولا تضعف بهم عزيمة؛ فلجأ لإطفاء سراج الحقّ المتمثّل بالقيم العليا التي يتعلّمونها بمدارسهم، ويستقونها على أيدي أساتذة تربوا على التّضحية من أجل العقيدة وحب الوطن، وكسر هذا السّراج بمناهج بالية لا تنمّ لدين الفلسطيني الإسلامي ولا لتراثه ولا لتاريخه بصلة، إلا أنّها ممزوجة بكثير من السّمّ الزّعاف الذي يطفئ السّراج السّابق فيحلّ محلّه ظلام دامس؛ ولتحقق المؤسسة الاحتلالية مآربها في تدمير المنهاج التّعليمي الفلسطيني وزرع المنهاج الإسرائيلي مكانه عمدت إلى العديد من الخطوات؛ أهمها:
- التّضييق على المدارس الّتي تدرس المنهاج الفلسطيني، وأقصد بذلك أغلب المدارس الخاصّة، ومدارس التّربية والتّعليم التاّبعة للأوقاف وتشرف عليها السّلطة الفلسطينيّة، وليس إغلاق مكتب مديريّة التّربية والتّعليم في البلدة القديمة سنة 2019م واعتقال مديره الأستاذ سمير جبريل عنا ببعيد.
- التّضييق المادّي على المدارس الخاصة والتهديد بسحب تراخيصها ومن ثمّ إغلاقها إن لم تنصاع لوزارة المعارف الإسرائيليّة بتدريس المنهاج الإسرائيلي، وما حدث مؤخّرًا لمدارس الإيمان والكلّيّة الإبراهيميّة أكبر شاهد على ذلك.
- السّير ضمن خطة محكمة سمّيت بالخطّة الخمسيّة، ابتدئ العمل بها سنة 2018م وتستمر لخمس سنوات؛ تقضي بأن يكون المنهاج الإسرائيلي هو المنهاج الوحيد المدرّس في مدارس القدس، وما النّقطتين السابقتين إلا تنفيذ عملي لخطّتهم تلك، كما تقوم الخطّة بتغطية النقص الهائل المحيط بالمؤسّسات التعليمية؛ حيث زاد النّقص في الغرف الصفّيّة عن 2500 غرفة في العام المنصرم، وإنشاء مدارس ومؤسّسات تدرس المنهاج الإسرائيلي وتدعمه.
وحتى تكون الخطّة محكمة لتحقيق أسرلة المقدسيّ بالكامل اقتضت إنشاء روضات من الطّفولة المبكّرة ومدارس أساسيّة ثمّ ثانويّة؛ كلها ضمن منهج متكامل متسلسل، فإذا ما أنهى الطّفل مرحلة الرّوضة فإنه ينتقل مباشرة للمرحلة الأساسيّة، ثمّ إلى الثانويّة؛ ليدرس خلال تلك السّنوات ضمن المنهاج الإسرائيلي، وينتهي به المطاف قبل دخوله الجامعة إلى دراسة البجروت الإسرائيلي بدل التّوجيهي الفلسطيني، فيجد مقعده في الجامعة الإسرائيليّة ينتظره حيث غذّي بثقافة المحتلّ، فيتعايش مع من سلبه حقه واغتصب أرضه بكل حبّ ومودّة.
إنّ التّعليم وفق المنهاج الإسرائيلي يقتضي إلغاء كل المصطلحات الوطنيّة الفلسطيّنة من الكتب، ووضع مكانها المصطلحات الإسرائيليّة، ففلسطين تصبح إسرائيل، ويستبدل العلم الفلسطيني بالإسرائيلي، والعمل الجهادي والنّضالي يصبح إرهابًا، والنّشيد الوطني الإسرائيلي ( هتكفاة ) يصبح هو الذي يتغنى به المقدسي، ويصبح الجنديّ القاتل لأخي في القدس والضّفّة وغزّة بطلًا حامٍ للدّيار، ولا مشكلة في أن يصبح الأقصى جبل الهيكل، وبذلك يحقّق الغاصب مآربه.
وأمام هذه الهجمة الشرسة يبقى المقدسيّ متشبثًا بمبادئه التي استقاها من عقيدته وورثها عن آبائه.
وتبقى القدس إسلامية عربية فلسطينية
تصنيفات : قضايا و مقالات