صورة في حكاية، أ. جودت صيصان
أغلى منزل في العالم، منزل بملايين الدولارات، بيت الأحلام ولوحة فنية … هذه بعض الأوصاف التي أطلقها رواد وسائل التواصل الاجتماعي والصحفيين على منزل المرابطة والناشطة المقدسية مريم أبو نجمة، الذي يقع في جهة الرواق الغربي للمسجد الأقصى.
وهذا التفاعل الكبير من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي والانتشار الواسع الذي حظيت به هذه الصورة والصور والفيديوهات الأخرى حول هذا المنزل لم يكن مفاجئاً، بسبب حب المسلمين وتعلقهم بالمسجد الأقصى والتعطش لزيارته.
كما تناقلت وسائل الإعلام أخباراً عن رفض أصحاب هذا المنزل بيعه أو تركه رغم كل الإغراءات والضغوط الصهيونية، فمن جهة رفض أصحاب هذا المنزل – المكون من غرفتين بمساحة 20 متراً، ويسكنه سبعة أفراد – كل العروض التي قدمها الاحتلال ومستوطنيه لبيع المنزل بدءاً من ملايين الدولارات وانتهاء بشيك مفتوح.
ومن جهة أخرى قاوم أصحاب هذا المنزل أشد أنواع الضغوط والتضييق واعتداءات المستوطنين اليومية لدفعهم إلى ترك منزلهم؛ فكل خروج أو دخول لهذا المنزل يتعرض أصحابه للتفتيش وطلب هوياتهم وتصويرهم ومنعهم التوسع والبناء او الصيانة والترميم وحتى من الخروج أحيانا.
أما ردود عائلة أبو نجمة، فقد جسدوها بالأفعال قبل الأقوال، بدأها والدهم – صاحب المنزل – الذي عمل على مدار سنوات عديدة حارسا للحرم المقدسي، واعتُقل داخل سجون الاحتلال، ليقضي نحبه شهيدا بعد 17عاماً من الاعتقال.
أما صاحبة المنزل مريم أبو نجمة فقالت:” لو دفعوا كل مال الدنيا لن أتنازل عن بيتي الذي أعتبره خط الدفاع الأول للمسجد يعني أي مشكلة تصير نحن أول ناس نخرج للمسجد ندافع عنه لأنه أولى القبلتين” وأضافت:” يكفينا فخراً أن نحيا ونموت ونحن بجوار مسرى رسول الله سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.”
لكن اللافت في حكاية هذه الصورة، أن الجميع قد تحدث عن جمال إطلالة هذا المنزل الذي يبدو وكأنه لوحة فنية معلقة، والبعض الآخر تحدث عن سعره وحلمه بأن يكون له مثل هذا البيت، وكذلك عن الضغوط والإغراءات التي تعرض لها أصحاب هذا لمنزل- وهذا كما أسلفنا يبدو منطقياً لأسباب كثيرة ذكرنا بعضها في هذه المقالة، لكن الغريب وغير المنطقي والمفاجئ ألا يتصدى أحد من هؤلاء للحديث عن أسرار هذه البطولة المذهلة والمُلهمة ليس للمقدسيين فقط، بل لكل العرب والمسلمين والأحرار في هذا العالم.
نعيش اليوم في زمان طغى فيه الشَّر على الخير، وانتشرت فيه الفتن والمظالم، وساد فيه القويُّ على الضَّعيف، وقلَّ فيه الصالحون المصلحونَ، أصحاب القيم النَّبيلة، من يسيرون على هدى الله، ويقتدون بسيرة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم. ولذلك كان لزامًا علينا التنبُّه إلى أهمية القيم التي جسدها أبطال هذه الحكاية.
فالتحدي، الثبات، التضحية وغيرها من القيم التي جسدها أبطال هذه الحكاية، هي التي تجعل لحياة الإنسان في أي زمانٍ ومكان قيمة، وهي المصدر والمحرك الأساسي لأفكار الفرد ، وأقواله وأفعاله والقوة الدافعة والملهمة للبقاء والنمو والتطور. لكنها تكتسب أهمية إضافية لنا نحن الفلسطينيين وذلك لخصوصية القضية الفلسطينية ( الاحتلال ) وخصوصية المرحلة التاريخية التي نعيشها التي يستهدف فيها الأرض والإنسان والهوية والثقافة والمقدسات.
فلقد تعلمنا من التاريخ أن لكل أمة ثلاثة مصادر أساسية تحفظ لها قوتها ونقائها وقدرتها على الاستمرار بدءاً من منظومة القيم التي تتبناها وتعيش بها ولها، مروراً بقدراتها العلمية والاقتصادية وصولاً إلى قدراتها العسكرية والأولى هي الأداة الرئيسة لتحقيق الثانية والثالثة. وما منظومة القيم الإسلامية التي أنتجت حضارة عربية إسلامية عريقة إلا خير شاهد دليل.
تصنيفات : قضايا و مقالات