من بلاغة اختيار الكلمة القرآنية مفردتا “ الزوج والمرأة”
د. جمال قشوع
أستاذ اللغة والبلاغة في جامعة فلسطين التقنية – خضوري
يستعمل الناس الزوج أو الزوجة بمعنى المرأة؛ أي امرأة فلان هي زوجه، وزوج فلان هي امرأته، وهذا لا يصح عند تأمل النظم القرآني، حيث فرّق بين الكلمتين في الاستعمال المعجز؛ لأنهما مختلفان في واقع الحياة.
والقرآن الكريم يستعمل لفظ زوج: للذكر والأنثى على حدٍّ سواء، دون تفرقة، والزوج: أصل يدل على مقارنة شيء لشيء من ذلك الزوج: زوج المرأة، والمرأة: زوج بعْلها، وهو الفصيح”([1]). قال تعالى:{اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35].
والزوج: خلاف الفرد ويقال هما زوجان للاثنين. وهما زوج، للذكر والأنثى على حد سواء. قال تعالى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} [القيامة: 39]. وزوجة – بالتاء المربوطة – لغة رديئة، وجمعها زوجات، وجمع الزوج: أزواج، قال تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ في ظِلالٍ على الأرائِكِ مُتّكِئون} [يس: 56]. فالزوج؛ لكل اثنين، لا يستغني أحدهما عن صاحبه([2]).
وفرق العلماء في تراثنا بين اللفظين من حيث الدلالة لينفوا وجود ترادف في كتاب الله تعالى. من هؤلاء ابن قيم الجوزية، حيث ذكر أنه “وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفرداً وجمعاً ([3])، لقوله تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [الأعراف: 19]. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28].
ويرى “أنّ الإخبار عن أهل الشرك كان بلفظ “امرأة”. قال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4]([4])، “مع أنها كانت منسجمة مع زوجها أبي لهب في إيذاء النبي محمد –صلى الله عليه وسلم”([5])، والقصد هنا أن الزوجية الحقيقية التي يريدها الله تعالى بين الرجل والمرأة غير متحققة بينهما.
ويرى أيضا بأنّ الاختلاف في الدين يجعلها القرآن امرأة وليست زوجاً له؛ كأن تكون المرأة مؤمنة وهو مشرك كامرأة فرعون ([6]) أو العكس، كأن يكون الرجل مؤمناً وامرأته مشركة كامرأتي” نوح ولوط – عليهما السلام”. ([7])
ويؤثر القرآن لفظ “امرأة” في سياقات الحمل والولادة؛ لأن الصفة هي الأنوثة؛ وهي المقتضية للحمل والوضع، لا من حيث كانت زوجاً ([8])، ويخاطب النظم القرآني المرأة بكل أحوالها بلفظ “امرأة” في سياقات الشهادة ([9]) أو إذا كانت غير متزوجة ([10]).
والتوافق الديني لا يمنع من استعمال لفظ امرأة، فامرأة إبراهيم ([11]) عليه السلام، منسجمة مع زوجها في الدين والدعوة إلى الله تعالى، وكذلك امرأة زكريا – عليه السلام ([12]). واختار لها التعبير القرآني لفظ “المرأة”، لأن الحياة الزوجية لم تكتمل بسبب عدم القدرة على الإنجاب.
كذلك قد يكون الزوج مُتَوفّى كامرأة عمران ([13])، وامرأة العزيز لم تكن منسجمة مع زوجها، ولم يكن هناك ما يدل على كمال العلاقة بينها وبين زوجها ([14])، وربما تدل على سلوك منحرف عندها([15]).
وذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج؛ لأن هذا اللفظ مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، والتساوي بينهما. والتوافق التام مادياً ومعنوياً، ومنها المعاشرة المتبادلة، والانسجام العقدي، والقدرة على الإنجاب، والدليل على ذلك أنّ امرأة زكريا كانت عاقراً، فعبر عنها النظم القرآني بلفظ امرأة([16]). في قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً} [مريم: 5]، وعندما أنجبت ابنها يحيى – عليه السلام. عبر عنها القرآن بلفظ زوجه قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90].
وتشعر مناجاة امرأة فرعون ربّها – جل جلاله – بانتفاء بيت الزوجية لها في الأرض، وفقدان معنى السكن فيه – رغم الثراء المادي. وطلبها أن ينجيها الله من فرعون وعمله يشير إلى رفضها له ذاتاً وسلوكاً، سواء أكان سلوكه وعمله كفراً، أو تعذيباً لها، أو جماعاً([17]).
وامرأة فرعون، ليست زوجاً لفرعون، لاختلافهما في العقيدة، والإنسانية الحانية، فهي أعلى منه قدراً؛ حيث ضرب الله بها مثلاً للذين آمنوا في كل زمان ومكان، تكريماً لها وتشريفاً.
ومهما يكن فإن لفظ “امرأة فلان” ليس انتقاصاً من شأنها، وقدرها، بل إن السياق الواقعي هو الذي يحدد طبيعة العلاقة بين المتزوجين، فالعلاقة بين امرأتي نوح ولوط وزوجيهما كانت علاقة تحتيّة، لخلوها من الإيمان، حيث كانتا خائنتين للدين ومنهج الله تعالى، وقد عبر عنها بظرف المكان “تحت”، وهذا يدل على أن العلاقة متغيرة وليس فيها إخلاص للرجل، وفيه أيضًا انسجام مع منهج القرآن في تهذيب الألفاظ في مثل هذه الأمور، وأنه – أيضاً- يدل على عدم احترام المرأة لزوجها.
ويهدف القرآن – من وراء ذلك – حث المرأة في كل زمان أن تتجنب التحتية السلوكية التي تجعل الحياة الزوجية خالية من معاني السكن والاستقرار والمودة والرحمة.
([1]) ينظر: ابن فارس، أحمد: مقاييس اللغة 3/ 35.
([2]) ابن منظور، جمال الدين: لسان العرب، ط1، 2/ 291. / والأصفهاني، الراغب: مفردات ألفاظ القرآن ص384 – 385. / وابن الأنباري، أبو البركات عبدالرحمن بن محمد، (د.ت): البيان في غريب إعراب القرآن تح:طه عبدالحميد طه، ص 2/ 263. والكفوي، أبو البقاء: الكليات ص486.
([3]) ابن القيم، شمس الدين، (1978م): التفسير القيم، تح: محمد حامد الفقي، جمعة: محمد أويس الندوي، دار الكتب العلمية، لبنان، ص131.
([5]) أبو عودة، عودة خليل: هو وهي – قصة الرجل والمرأة في القرآن الكريم، ص73.
([6]) في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11]..
([7]) في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ} [التحريم: 10].
([8]) ابن القيم، شمس الدين ابن القيم، التفسير القيم، ص132.
([9]) في قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ} [البقرة: 282].
([10]) في قوله تعالى: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل: 23].وقوله تعالى: {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص:23].
([11]) كما في قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود: 71].
([12]) كما في قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} [آل عمران: 40].
([13]) كما في قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما في بطني..} [آل عمران: 35].
([14]) العطوي، عويض حمود، (2010م): جماليات النظم القرآني في قصة المراودة في سورة يوسف، الرياض، ص10.
([15]) كما يظهر في قوله تعالى: {وراوَدَتْه التي هُوَ في بَيْتِها عَن نَفْسِه} [يوسف: 23].
([16]) كما في قوله تعالى أيضاً: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً} [مريم: 8].
([17]) القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، (2006م): الجامع لأحكام القرآن، تح: عبد الله بن عبد المحسن التركي ومحمد رضوان عرقسوس، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 21/ 105.
تصنيفات : قضايا و مقالات