الحوار وتقبل الآخر، أ‌. محمد الأغبر
ديسمبر 8, 2022
للمشاركة :
الحوار وتقبل الآخر
أ‌.       محمد الأغبر
يواجه دعاة اليوم هجمة شرسة ضد الإسلام وأهله، من خلال الإعلام والكتب والمجلات، وإشعال الحروب، هنا وهناك، وعلى حكماء الدعوة أن يستخدموا الوسائل التي توصل رسالة الإسلام بأبهى صورة وبوضوح وإظهار الحق، من هذه الوسائل الحوار مع الآخر وتقبله، بوسائله وأفنانه، وبلاغته وفصاحته، الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها.
فالحوار لغة العقلاء للوصول إلى الحقيقة، وإقناع الطرف الآخر باستخدام العبارة المفهومة والمقنعة. وبالعودة إلى القرآن الكريم نجد أن الحوار أخذ مساحة جيدة في القصص القرآني، يستفيد منها الدعاة ويدلون بدلوهم عندما يحاورون العامة، ويجدون فيها ضالتهم المنشودة كونه وسيلة من وسائل التواصل وإقامة الحجة والإقناع.
وسائل التواصل الاجتماعي تعج بغير المسلمين الذين يبحثون عن الحقيقة، أو من يطعنون في ديننا، والوصول إليهم وتبليغهم حقيقة هذا الدين ميسورة على المتمكن في لغتهم، وعلى المحاور الألمعي الذي يتمكن من فن الحوار، وبالعودة إلى القرآن الكريم وقصصه تجد مادة غنية في فن التحاور، للوصول إلى تبليغ هذا الدين بأيسر الطرق، وأسرعها.
بنظرة سريعة في القصص القرآني نجد أن الله تعالى يعلمنا الحوار وكيف نستخدمه مع الآخر، فقصة خلق آدم عليه السلام فيها حوار الله تعالى مع الملائكة التي تتعجب من خلق آدم عليه السلام، وهي غير مقتصرة على الله تعالى، فكان استفهامها تعجبا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) ، فحاورهم الله تعالى وهو غني عن الإجابة: ( إني أعلم ما لا تعلمون ). مع أنه ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون).
هذا النص من أفضل ما يتعلمه الداعية في استخدام فن الحوار، إذا كان الله تعالى الخالق العظيم يحاور مخلوقاته من الملائكة، ليوصل لهم معلومة عن سعة حكمته وعلمه، وحاور إبليس عندما رفض السجود لآدم عليه السلام: ( قال ما منعك ألا تسجد إذ امرتك ) – 12 سورة الأعراف- وقال ( قال يـــإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ) – 75 سورة ص – وقال ( قال يـــإبليس مالك ألا تكون من السجدين ) – 32 سورة الحجر- فهذا حوار بين الله تعالى وإبليس الذي رفض السجود لآدم وتكبر على أمر الله تعالى، بل أجاب إبليس لما طلبه ( قال أنظرني إلى يوم يبعثون. قال إنك من المنظرين ) – 14/15 سورة الأعراف- .
وفي حوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه عباد النجوم والكواكب يجد الداعية بلاغة وجمالا لنص الحوار (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
وهذا مؤمن آل فرعون يقيم الحجة على فرعون في أبلغ أنواع الحوار وأجمله، عندما تقرأ سورة غافر في نص بديع يظهر براعة مؤمن آل فرعون في التغلب على فرعون أمام حاشيته: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ). 28 سورة غافر.
فعلى الدعاة إلى الله أن يستخدموا فن الممكن من الحوار، متذكرين قول الرسول e : عَنْ سَهْلِ بن سعدٍ t، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لِعَليًّ، t: فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم” متفقٌ عليهِ.
 
 

تصنيفات :