مدرس التربية الإسلامية …. الرسالة السامية في ظل التحديات
- وائل الحشاش / طالب دكتوراة فقه وأصوله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد معلم البشرية وقائدها وقدوتها الذي ربى وأدب وعلم؛ فأنشأ الجيل القرآني الفريد الذي حرر البشرية من الطواغيت ورسخ دولة العدل والعلم والحضارة التي حكمت مشارق الأرض ومغاربها فكانت بحق أول دولة لا تغيب عنه الشمس.
لا يمكن لأحد إنكار الوضع المتردي – ماديًا ونفسيًا واجتماعيًا- الذي يحياه المعلم الفلسطيني في أرضه المحتلة بالذات في الضفة الغربية والقدس وغزة وانعكاس ذلك على عطائه وتفانيه الذي تميز به على مدى العقود الماضية، مما أوجد حالة من السخط انعكست سلبًا على المنظومة التعلمية بشكل عام إذ فقد كثير من المعلمين شغف التعليم والتعلم وأصبح ذلك مقتصرًا على من يملك إيمانًا راسخًا بما عند الله أو بقايا ضمير في قلبه.
وهذا جعل معلم التربية الإسلامية محافظًا على عطائه، ومتميزًا في إبداعه؛ فهو حامل رسالة سامية قبل أن يكون موظفًا، ووجوده يشكل مشعل هداية لإنارة درب المتعلمين؛ فعقده مع الله أولًا اقتداء بمعلم البشرية الأول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إضافة الى كونه وريث النبوة والرسالة فقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بقوله: إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر [حديث صحيح رواه الترمذي وغيره]، فالمعلم يعد العمود الفقري والأساس المتين الذي يبنى عليه النظام التربوي والعلمي؛ لأنه يعد القدوة والنموذج والمثل الأعلى لطلابه الذين يحرصون على تقليده قولًا وسلوكًا.
ولعل أبرز التحديات التي تواجه معلم التربية الإسلامية في وقتنا الحاضر تتمثل فيما يلي:
- الاستلاب الحضاري، والاغتراب الفكري الثقافي الذي يعيشه الطلبة وذلك نتيجة الانبهار بالغرب أولًا، والتخلف الذي يعيشه عالمنا العربي نتيجة إقصاء أحكام الدين عن المجتمع ثانيًا.
- اعتماد الفلسفات التربية الوافدة وترويجها وترسيخها، فهي مفروضة من الممول وتغييب الفلسفة التربوية الإسلامية المنبثقة عن ديننا الحنيف ومصادره الربانية المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية.
- انتشار المفاهيم المشوهة التي تمتلئ بها الموسوعات والمصادر من تأليف أعداء الإسلام المستشرقين، الذين سعوا لتشكيك المسلمين بدينهم من خلال مؤلفاتهم المليئة بالأكاذيب والطعن في الإسلام والقصص المختلقة المكذوبة المنسوبة للنبي عليه السلام والصحابة وخلفاء الإسلام على مر التاريخ وتسهيل الرجوع إليها سواء بالمكتبات أو على شبكة الإنترنت.
- التناقض بين الدور التربوي الذي يقوم به معلم التربية الإسلامية بدعوته للفضيلة والتمسك بالقيم وتعاليم الدين التي جاء ليتمم محاسن الأخلاق، والدور الإعلامي الذي يعتمد على ترويج الفاحشة والحث عليها وتزيينها وإذكاء الشهوات تحت مسميات الحرية الشخصية وإزالة الفوارق بين الجنسين.
- وأخيرًا إهمال مادة التربية الإسلامية من الوزارة وأولياء الأمور واعتبارها مادة ثقافية تكميلية اختيارية يمكن تدريسها من أي مدرس لإكمال نصابه إضافة إلى تدني المستوى الاجتماعي للمعلم بشكل عام وقلة راتبه وانعكاس ذلك على مكانته في المجتمع كما أسلفت في المقدمة.
ولمواجهة هذه التحديات لا بد من عمل الآتي:
- مواجهة الاستلاب والانبهار بالحضارة والثقافة الغربية، وبيان عوارها جنبًا الى جنب مع إبراز الجوانب المضيئة لإسلامنا وما أنشأه من حضارة ووضع أسس مختلف العلوم التي بنى عليها الغرب حضارته.
- اعتماد الفلسفة الإسلامية في التربية والتوجيه ودمج المعلم بين الأصالة والمعاصرة، أصالة المبادئ والأفكار والقيم المستقاة من الرسالة السماوية الخالدة ومعاصرة الوسائل والاختراعات التي تخدم الإنسان وتعمل على تطوره.
- محافظة المعلم على تفوقه العلمي من خلال الاستزادة الدائمة من العلم وتطوير ذاته بالمهارات والأساليب المتنوعة للتأثير على طلبته التي أهمها القدوة والحوار واستثمار المواقف والإقناع العقلي.
- انضباط المعلم كونه قدوة ومثالا أعلى أمام طلابه بالذات في ظل انتشار وسائل الاتصال والتواصل وإمكانية متابعة تفاصيل حياته خارج أسوار المدرسة عبر ما ينشره في وسائل التواصل.
- محاربة المفاهيم المغلوطة التي نشرها المستشرقون وأعداء الدين وغرس المفاهيم الصحيحة التي تجعل الطلاب يعتزون بدينهم وينهلون من ثقافتهم ومعينها العذب من خلال إرشادهم إلى المراجع الأصيلة والكتّاب الموثقين.
- وأخيرًا إبراز أهمية مادة التربية الإسلامية وتعزيزها وأنها الأساس الذي يبنى عليه العلوم الأخرى وقدرة المعلم على التكيف مع ظروفه الاقتصادية وعدم انعكاسها على عطائه ومظهره وسلوكه حتى لا تتأثر مكانته أمام طلابه.
وفي الختام ينبغي لمعلم التربية الإسلامية أن يدرك مدى المكانة التي تبوأها بحمله لرسالة الإسلام العظيم وسمو هذه المكانة ينبع من وراثته مهنة النبي في تعليم الناس الخير وأن دوره لا يقتصر فقط على التربية والعليم وإنما إشباع حاجات الروح والعقل والجسد ليعيد للأمة صناعة الجيل الفريد الذي يعيد لها مجدها ومكانتها في قيادة العالم وأستاذيته.
تصنيفات : قضايا و مقالات