“لعلّكم تتقون” وإنتاج إنسان التقوى
جاءت في سياق تحديد الهدف والغاية، وسيلة وهي عبادة الصيام قد تم تحديد هدفها، وهذا الهدف بعيدا عن التعريفات القديمة للتقوى لا بدّ من فتح صندوقه وكشف كلّ أسراره من أجل أن يكون الهدف واضحا ومحددا، والسؤال يقف بين النظرية والتطبيق هل يصل بنا الصيام هذه الأيام إلى التقوى بمفهومها الصحيح؟ وكيف نمكّنه من الوصول إلى هدفه العظيم؟
قلت كلمة العظيم؟ التقوى قيمة عظيمة في حياة المسلمين يجب أن يتم تعظيمها في نفوسهم أولا ثم تحديد ماهيتها بشكل واضح جليّ. وقد سلك القرآن الكريم الاثنتين معا؛ فالآيات التي تحدّثت عن التقوى كثيرة مما جعلها واضحة للعيان من حيث الآثار والنتائج ومن حيث الأفعال والأحوال، ثمّ إنه جعلها أساس تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة فهي قيمة عليا في الحياة الإسلامية وهي روح تسري في النفوس وتسري في الحياة الاجتماعية كسريان الكهرباء في مدينة فتجعلها مضيئة وحيوية ومنظّمة وجميلة.
التقوى تنبعث من القلب حيث تبدأ هناك بعقيدة قائمة على عبادة رب العباد وهو سبحانه محور شعورها وتفكيرها لتنطلق في الحياة فتتحرّك وفق دورها في شتّى مجالات الحياة، فهناك المظهر الاجتماعي للتقوى كما يشرح ذلك د. ماجد الكيلاني، وتجليات التقوى تظهر في كلّ مجالات الحياة التربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية .. إلخ.
وإذا جاز لي المقارنة فإن الديمقراطية في المجتمعات الديمقراطية قيمة عليا ونمط حياة يسري كسلوك وواقع، يُربّى الناس عليها لتصبح جزءا أصيلا راسخا في ثقافة المجتمع، تظهر في البيت والمؤسسة والمدرسة والحكومة بتجليّات لا تغيب أبدا، التقوى باعتبارها قيمة سلوكية يجب أن تظهر تجلياتها في كل أوجه النشاط الإنساني بصورة تنعكس من الشعور إلى السلوك ومن عالم الفرد إلى عالم المجتمع. ولكننا هذه الأيام بتنا نرى صورة منقوصة أو مقصورة على محالات دون مجالات، نجدها في السلوك الفردي قوية أحيانا بينما البيئة الاجتماعية قد نجدها مشوّهة أو منقوصة ومجتزأة.
يبقى كيف نصل إلى المفهوم العملي الشامل للتقوى والإجابة واضحة بتفعيل وسائلها كما يجب، وهنا من الوسائل الصيام وحيث لا بدّ من الجمع بين عبادة النهار بالصوم والليل بالقيام وفي الأمرين تدريب عملي على تقوية القوة الروحية ورفع مستوى قدراتها، ويجب أن نلحظ ونركّز على قوة حضور المثل الأعلى من خلال النموذج الذي يصنعه القرآن في نفوسنا ، وهنا لا بدّ وأن نركّز على عبادة الفهم وقراءة القرآن بتدبّر وهكذا تصنع إرادة الإيمان في نفوسنا ويُصنع إنسان التزكية بنجاح.
فالطّرق في رمضان يكون على الوعي الإيماني والإرادة الإيمانية وبهما ننجح في إنسان التقوى.
تصنيفات : قضايا و مقالات