ضيف العدد
الدكتور مصطفى كامل شاور
رئيس رابطة علماء فلسطين
- هل يمكن أن يحدثنا فضيلة الشيخ عن رحلته العلمية والدعوية والتعليمية؟
أنا العبد الفقير للمولى مصطفى كامل من عائلة شاور، مواليد عام ثمانية وخمسين وتسعمائة وألف للميلاد، كان والدي من الإخوان المسلمين، وقد نشأت في بيت إيماني محب للمطالعة، فقد كان الوالد منهوم قراءة، ومن شابه أبَاه فما ظلم.
وبدأ تعرفي على سفينة النجاة الإسلامية رسميا منذ المرحلة الثانوية على يد الداعية هلال البيتاوي، حيث كان طالبا في كلية الشريعة بجامعة الخليل في أول نشأتها، واليوم هو أستاذ متقاعد، وذلك في رحلة دعوية لا أزال أذكرها الى كفر قاسم لنحل ضيوفا على المرحوم عبدالله نمر درويش لنسمع منه خطبة الجمعة ثم حللنا عليه ضيوفا في بيته. ثم أكملنا هذه الرحلة الدعوية الى مدينة نابلس لنستمع لدرس الشيخ حامد البيتاوي الدوري بعد صلاة المغرب في المسجد الحنبلي. وهذه الفترة هي ميلادي الدعوي الرسمي. وبعد نيل الشهادة الثانوية بالتخصص العلمي شاء لي القدر أن أدرس بالجامعة الأردنية في كلية العلوم، ولكن القلب كان هاويا لكلية الشريعة ومن فيها من الأساتذة الذين شربنا من كأس علومهم، وارتوينا من معالي أخلاقهم العملاقين الدعويين الشهيد عبد الله عزام والدكتور أحمد نوفل وبقية عمالقة العلم والدعوة من ناشري أشرعة الإسلام كالأستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين، وأبي ساجدة محمد عبد القادر أبو فارس، وياسين درادكة والدكتور همام سعيد.
بعد عام من الدراسة في الجامعة الأردنية توجهت للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الطب نزولا عند رغبة الوالدة التي أحبت لي أن أكون كأخوالي طبيباً، إذ لها أخوان طبيبان من خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت، وبعد عودتي من الإجازة الصيفية قاصدا التوجه إلى لبنان جاءني القبول في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، التي كنت قد قدمت أوراقي لها قبل سنتين، فلم أتردد ولم أتبلد، فيممت وجهي شطر المدينة المنورة زاهدا بالجامعة الأمريكية في بيروت وطبها، وأكملت مشوار الشريعة بتفوق والحمد لله عام اثنين وثمانين، وواصلت مشوار الماجستير في الجامعة نفسها في تخصص أصول الفقه منهيا هذه المرحلة عام سته وثمانين وتسعمائة وألف، وحاولت الالتحاق لنيل اللقب الجامعي الثالث لكن حالت بيني وبينه ظروف إذ رجعت الى مسقط الرأس وعملت في كلية الشريعة في جامعة الخليل مدرسا للفقه وأصوله من العام نفسه، وانخرطت في العمل النقابي فكنت عضوا في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الخليل ضمن الكتلة الإسلامية التي فازت بالأغلبية المطلقة في هذه الانتخابات ابتداء من شهر حزيران عام واحد وتسعين وتسعمائة وألف، وبقيت مزاوجا بين التدريس الجامعي والعمل النقابي ليأتي عام اثنين وتسعين وتسعمائة وألف، وفي شهره الحادي عشر تم اعتقالي على يد الاحتلال وبعد بضعة أسابيع وجدت نفسي مع أكثر من أربعمائة وخمسة عشر عملاقا دعويا من الضفة والقطاع مبعدا إلى مرج الزهور في جنوب لبنان. لأمضي عاما كاملا أعدّه من أمتع سني عمري، حيث عدنا والحمد لله رغم أنف الاحتلال لنواصل مشوار المزاوجة بين التعليم والاعتقال حيث تخلل هذا العود الى أرض الوطن عام ثلاثة وتسعين وتسعمائة وألف بداية المشروع المشئوم أوسلو وإفرازاته، لتتكرر الاعتقالات على يد الاحتلال، فما أن نتعافى من السجن حتى يعود الاحتلال للاعتقال الإداري، الذي تجاوز مع الإبعاد عقدا من الزمن، ويشاء القدر في عام ألفين واثني عشر رحيل رئيس رابطة علماء فلسطين منذ تأسيسها في عام ألف وتسعمائة واثنين وتسعين في محراب المسجد الأقصى الداعية والقاضي المرحوم أبو حاتم الشيخ حامد البيتاوي، فخلفته وأنا في السجن، وكانت ولا تزال الظروف في الضفة تعيش أوضاعا صعبة ومحزنة، إذ العمل الإسلامي مضيقٌ عليه من الصديق وابن الوطن قبل المحتل، والعمل الإسلامي بأوجهه المختلفة وأذرعه الدعوية المتعددة مكتوم الأنفاس ونسأل الله الفرج لشعبنا وللأمة كلها.
- يعيش المسجد الأقصى المبارك اليوم حالا غير مسبوق، ما دور العلماء في الدفاع عنه؟
وأما عن سؤالكم حول المسجد الأقصى المبارك، وكيد الاحتلال له ومنع أهله من الوصول إليه وهم أحق به فهي سحابة صيف عن قريب تَقشَّعُ إن شاء الله تعالى.
فالأمة كلها وعلماؤها في جلبات الأرض كلها يقومون بدورهم المنوط بهم مُحَشّدِينَ الأمة حول قبلتهم الأولى، ويراغمون أشد الناس عداوة للذين آمنوا، فالمسجد الأقصى مهوى أفئدة المؤمنين، ولئن كان حكام الأمة الإسلامية في الأعم الأغلب -ولا نعمم- يتآمرون مع أشد الناس عداوة للمسجد الأقصى والمؤمنين به قبلة أولى، إلا أن الباطل العالمي يعيش هَزيعَهُ الأخير، وكيف لا والموصل الجديدة – أعني أرض العزة – أرض غزة وغُرَّةَ العالم الإسلامي اليوم هي الأمل والنبراس والقدوة، ويصدق على هذه الفئة القليلة من الصادقين في إيمانهم قول الله تعالى:” وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين” [البقرة: 249] وإن شاء الله سَتُمسَح دموعك يا أقصى، فهنيئا لمن يصطف مع الحق فينال شرف رفع الضيم عن مسرى محمدٍ وقبلته الأولى.
- تعيش مدينة الخليل ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي، مرت بالميلادي وعلى وشك المرور بالهجري، ما الذي تناشد به الدعاة والعلماء حماية له ودفاعا عنه؟
وأما عن مدينة جد الأنبياء ومسجدها المحزون وفواحش الاحتلال المجرم في المسجد الإبراهيمي وفي المدينة كلها، فكلما انتصف شهر رمضان، أو أعاد العام الشمسي شهره الثاني منه ويومه الخامس والعشرين يتذكر العالم ولا ينسى الدماء التي أريقت، والأرواح الطاهرة المؤمنة البريئة التي أزهقت في محراب هذا المسجد، وفي أعظم أيام الأسبوع وهو يوم الجمعة، وفي صلاة الفجر حيث أقدم حاقد صهيوني وبتغطية كاملة من حكومات الاحتلال على إطلاق النار من سلاح أوتاماتيكي على الركع السجود عند هَوِيِهم لسجدة التلاوة من صلاة الفجر، فَجُرِح المئات واستشهد قرابة الثلاثين في داخل المسجد المحزون، وأتبعها جنود الاحتلال بمثلهم خارج الحرم وفي جميع أرجاء الوطن في ذلك اليوم، وزاد الاحتلال إجرامه بعد هذه المجزرة البشعة فارتكب مجزرة أوسع وأبشع إذ حول المسجد إلى ثكنة عسكرية وأغلق الأسواق التجارية وهجر سكان الخليل في البلدة القديمة المحيطة بالحرم، ولا يزال يحول بين أهل المسجد والدخول إليه ويمنع رفع الأذان من منائره في أغلب أيام العام، ومع هذا نقول رغم اشتداد الظلمة ووهن الأمة إلا أن الفجر قريب وشمس الباطل عما قريب ستغيب.
- تعيش الحالة العلمية والدعوية وضعا صعبا في فلسطين فما هو المخرج منها؟ وما هو دور الهيئات العلمائية مثل رابطة علماء فلسطين في ذلك؟
وأما عن انتفاش الباطل وفشو مظاهر الفساد والحالة الدعوية الشعبية الصعبة التي نعيشها في الضفة الغربية تحديدا ومضايقات الجهات المتحكمة بالبلد والتي تحول دون العمل الدعوي الشعبي كمراكز تحفيظ القرآن والعمل الطلابي الإسلامي في الجامعات وعدم السماح للدعاة باعتلاء المنابر وتقييد المتكلمين على منابرها إلا بما يسمح به هو وما يريده، فنقول:
وكم من نازلة يضيق لها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكت حلقاتها
فُرَجت وكنت أظنها لا تفرج
وإن الحق هو الذي يمكث في الأرض، وأما الزبد فيذهب جفاء وإن غدا لناظره لقريب.
تصنيفات : قضايا و مقالات