حكم تهنئة أهل الشهيد باستشهاد ابنهم مع حزنهم.
السؤال:
لو سمحت هل يجوز القول لأهل الشهيد مبارك شهادة ابنكم؟
الجواب:
الحكم بأن فلان شهيد هو حكم بحسب الظاهر والله يتولى السرائر، ويجوز شرعاً أن نهنئ ذوي الشهيد بهذه الشهادة العظيمة، فالشهيد يشفع لسبعين من أهله ففي صحيح ابن حبان (الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته)، وفي المستدرك على الصحيحين (أول ما يُهْراق من دم الشهيد يغفر له ذنوبه) فهذه بشارة من النبي تشير إلى إباحة المباركة له ولهم، وهذه البشارة من النبي تستوجب التهنئة فأي بشارة أعظم لهم من هذه الشفاعة وله بهذه المغفرة؟ وقد أقر النبي الصحابة الذين هنؤوا ذلك الشهيد من صحابته ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة، قال:” افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا البَقَرَ وَالإِبِلَ وَالمَتَاعَ وَالحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي القُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ العَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ – أَوْ شِرَاكَانِ – مِنْ نَارٍ» فالنبي لم ينكر عليهم التهنئة ولكن أنكر عليهم أنهم حكموا بدخوله الجنة مباشرة؛ فبين لهم أنه سيعذب قبل دخوله الجنة لما سرقه من الغنائم، ثم بعد ذلك سيدخل الجنة، فأقرهم على التهنئة وهو دليل شرعي معتبر.
ومع جواز تهنئة أهل الشهيد بشهادته؛ لكني أكره ذلك لمن علم منهم الحزن على موت شهيدهم، والألم بفقده؛ لأن التهنئة تكون للشهيد نفسه وهو عند باريه في حواصل طير خضر في الجنة نحسبه كذلك والله حسيبه، أما أهله المكلومون بفقده فيسن لنا تعزيتهم بتخفيف الألم عنهم، وبث الأمل في نفوسهم، ومسح الأسى عن محياهم، فلا تجد في نفوس أغلبهم الرضى بفقد الأحبة، بدليل بكائهم وعويلهم عليه، فكيف يجتمع التبريك مع رحيل من حبه لقلوبهم شريك، والبسمة مع الكربة، والفرحة مع الحزن؟! فلا شك أن مثل هذه التهاني والتبريكات تسوء قلوب أهل الشهيد وتزيد حزنهم وكربتهم، فيكره تهنئة من هذا حالهم، اللهم إلا إن أظهروا سرورا عظيما بشهادته وظهر من باطنهم لا على مجرد ظاهرهم، وهو نادر والله تعالى أعلم.
أيمن عبد الحميد البدارين، رئيس قسم الفقه والتشريع، كلية الشريعة جامعة الخليل، والعضو التنفيذي لهيئة الرقابة الشرعية – مصرف الصفا الإسلامي – فلسطين.
تصنيفات : قضايا و مقالات