إنك أنت الأعلى، د. بسام الأغبر مارس 27, 2022 للمشاركة : في ظلال آية“إنك أنت الأعلى”د.بسام مصباح الأغبريجد المتأمل لآيات الله القرآنية فيها نسقا عجيبا، فكل كلمة في القرآن الكريم تعشق مكانها الذي لو جاءت كلمة أخرى مرادفة لها، لما استطاعت أن تأخذ مكانها.ونحن نرنو إلى لفت أنظار القارئ الكريم إلى ملمح بلاغي إعجازي، وهو بث الطمأنينة، في قلوب أنبياء الله عز وجل، وشحذ هممهم في مواجهة أرباب الباطل، ومن أمثلة ذلك، قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه: 68].تنقلنا تلك الآيات المباركات إلى فصل من فصول الصراع بين الحق والباطل، بين الخوف البشري والتأييد الإلهي، بين القوة المادية البشرية الخادعة، وبين القوة الربانية الصادقة،وعليه فقد اقتضت حكمة الله جلَّ في علاه، أن يرفع الخوف من قلب موسى عليه السلام، ويثبت قلبه، فاستعمل أكثر من أسلوب لغوي عن طريق:· تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، ولو قال: “لا تخف إنك الأعلى” أو”فأنت الأعلى”، لم يكن له من التقرير، والإثبات لنفي الخوف ما لقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} .· المظاهر الإعجازية في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، وفيها خمس فوائد، هي:1. استعمل أداة التوكيد “إنّ” المشددة، وفيها من الإثبات ما ليس في أدوات توكيدية أخرى.2. كرر الضمير في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ} ، ولو اقتصر على أحد الضميرين لما كان بهذه المكانة في التقرير لغلبة موسى، والإثبات لقهره.3. جاءت كلمة {الْأَعْلَى} معرفة بلام التعريف، ولم يقل: “أعلى” ولا “عال”، لأنه لو قال ذلك لكان قد نكره، وكان صالحا لكل واحد من جنسه.4. جاءت {الْأَعْلَى} على وزن “أفعل”، وهو اسم تفضيل، أي إنك المفضل، ولم يقل (العالي)، وبينهما اختلاف دلالي كبير.5. تدل كلمة {الْأَعْلَى} على العلو، أي أنَّ غلبتك، يا موسى، ستكون من علو لا يقدر أن يصله البشر.· إعادة استئناف الكلام، وهو قوله تعالى: {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}،ولم يقل:”لأنك أنت الأعلى”، ولتوضيح ذلك، نقول: لم يجعل علة انتفاء الخوف عنه كونه عالياً فقط، بل نهاه عن الخوف الذي ظهر له في البداية،{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً } بقوله:{لَا تَخَفْ}، ثم استأنف الكلام، فقال: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، فكان ذلك أبلغ في إيقان موسى عليه السلام بالتثبيت الإلهي، والغلبة والاستعلاء، وأثبت لذلك في نفسه. تصنيفات : قضايا و مقالات