يحشر المرء مع من أحب
وضعت الشريعة الإسلامية الغراء نصوصا كثيرة لتعظيم النوايا والمقاصد، ومن هذه المقاصد الحب الذي ينال اهتمام الناس جميعا؛ كونه يمس مشاعرهم صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا؛ لذا لابد من ترتيب هذا المقصد وتنظيمه؛ فجاءت أحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم- بشارة عظيمة لكل مسلم حريص على صحبته ونقاء حبه، فكان الحديث “أنت مع من أحببت” [متفق عليه] هاديا ومبشرا للإنسان الذي يكون حبه لله ولرسوله وللمؤمنين، وأنه سيكون معهم دنيا وأخرة؛ فهذا أنس -رضي الله عنه- يقول: “أنا أحب النبي – صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي لهم وإن لم أعمل عملهم” [رواه البخاري]. فكلام أنس وتفسيره لحديث النبي- صلى الله عليه وسلم- كان شافيا كافيا؛ فالمؤمن حبه لله أولا “والذين آمنوا أشد حبا لله” [البقرة: 165]، وحبه للرسول- صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ولكل الموحدين وأهل التقوى والصلاح، وسبيله نحو الجنان، حتى وإن تأخر عمله عنهم، وإلى هذا ذهب عبد الله بن المبارك بقوله:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من بضاعته المعاصي وإن كنا جميعا في البضاعة[1]
وهذا تحذير لكل مؤمن من حب أهل الفجور والفسوق والعصيان؛ ذلك أنّ المحبة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، وهذا من سوء الأدب مع الله ورسوله، فما أقبح أن تحب شخصا جهر بعصيانه ومعصيته وتحديه لله تعالى! وما أجمل أن يكون حبيبك الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لتكون معه رفيقا في الجنة يوم لا تنفع صحبة ولا حب إلا حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحينها يدرك الإنسان الندامة الكبرى، يوم أحب غير الله وغير رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فيكون مصيره يوم القيامة كما قال تعالى:” احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون” [الصفات: 22]. لذلك علينا اختيار مقامنا عند الله ونعلم أن محشرنا مع من أحببنا وهذا ما قاله الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فخالل خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي[2]
[1] حلية الأولياء لإبي نعيم الأصبهاني
[2] للشاعر الجاهلي عدي بن زيد
تصنيفات : قضايا و مقالات