موقف المُسلم عند تعدد المُفتين في بلده، د. براء عمر بدير يناير 9, 2023 للمشاركة : موقف المُسلم عند تعدد المُفتين في بلده د. براء عمر بدير الواجب على المسلم سؤال من هو أهل للاجتهاد والفتوى وتقليده؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، فقد بيّن جل وعلا من يجب على المستَفتِين الرّجوع إليهم، ووصفهم بأنهم أهل الذكر، وهم أهل الشريعة المتفقهون بها، ويدلّ ذلك بمفهوم المخالفة على تحريم سؤال غيرهم. وعندما يَعرض لك أخي المسلم سؤالٌ تحتاج معه إلى استفتاء؛ فيجوز لك سؤال من علمت أنه من أهل العلم والدين والسيرة الحسنة الطيّبة، وفي المقابل فإنه لا يجوز لك سؤال من علمت جهله أو فسقه باتفاق أهل العلم، أما إن جهلتَ حال من تريد سؤاله، فلم يتبيّن لك أهليته العلمية، أو لم تعلم شيئاً عن ديانته أو عدالته؛ فينبغي لك ألا تسأل إلا من علمت أنه أهلٌ للفتوى، أما العدالة ففي أمرها خلافٌ، والراجح أنه لا يُشترط العلم بعدالة المُستَفتَى بخلاف أهليّته العلمية، فلك سؤال من جهلت عدالته، وعلمت أهليّته للفتوى. وإذا علمت أخي المسلم أن عليك البحث عن أهليّة من تَستفتيه، وصلاحيّته للاجتهاد والفتوى، فاعلم أن هناك أربعة طرق تدلّ على أهليّة المُستَفتَى، فإن تبيّن لك أحد هذه الطرق فلك أن تَستفتيه:الطريق الأول: انتصابه للفتوى بمشْهد أهل العلم، أو عَمَله لدى جهة رسميّة لها ضوابطها وشروطها المعتبرة لتأهيل من يتصدّر للفتوى.الطريق الثاني: أن يُخبرك عدلٌ ثقة أن هذا عالمٌ عدلٌ متأهّلٌ للاجتهاد والفتوى.الطريق الثالث: الاستفاضة بأن ينتشر خبره بين الناس، ويشتهر أمره بالفُتيا.الطريق الرابع: اختبار المُستفتي للمُفتي بأن يسأله عن مسائل يعرف حكمها ليختبره؛ فيعرف أهليّته للفتوى. وفي حال تعدد المُفتون في بلدك، ممن بلغوا مرتبة الاجتهاد، وتوافرت فيهم شروطه، وكانوا جميعاً أهلاً للفتوى، فماذا تفعل؟ بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنه إذا لم يوجد في بلدك إلا مفتٍ واحد مؤهّل للفتوى؛ جاز لك أن تقلّده وتأخذ برأيه، ولا يجب عليك الانتقال إلى بلد آخر لتحصيل الأعلم، وفي حال وجد أكثر من مفتٍ في بلد واحد كلّهم مؤهّل للفتوى، وتباينوا في مستوى العلم والفضل والورع، فحينئذ أنت مخيَّر في سؤال من تشاء من العلماء ممن غلب على ظنك أهليّته للاجتهاد والفتوى، سواء تساووا في العلم والفضل والورع أو تفاضلوا، مع العلم أن الأولى والأحرى أن تحتاط لدينك بتخيُّر من تستفتيه، كما أنك تحتاط لبدنك عند تعدد الأطباء، فينبغي عليك التّحرِّي بقدر الاستطاعة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يتعيّن عليك أخي المُستفتي أن تستشعر في استفتائك مراقبة الله تعالى، فلا يجوز لك التّحايل في استفتائك، فلا تظنّ أن مجرّد صدور الفتوى من هذا المُفتي تُبيح لك ما سألت عنه حين علمك أن الأمر بخلافه في الباطن. يقول ابن القيم -رحمه الله- في إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 279): “لا يجوز العمل بمجرّد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله وتردد فيها لقوله : “استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك” فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولاً، ولا تخلِّصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه … ولا يظن المستفتي أن مجرّد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن سواء تردد أو حاك في صدره لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكّه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيّده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها، فإن كان عدم الثّقة والطمأنينة لأجل المُفتي يسأل ثانياً وثالثاً حتى تحصل له الطمأنينة، فإن لم يجد فلا يكلّف الله نفساً إلا وسعها، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة”. *** تصنيفات : قضايا و مقالات